الافتتاحية: الغزو الروسي لأوكرانيا من منظار سوري

الافتتاحية 0 admin

مما لا شك فيه أن التاريخ الذي يجمع روسيا وأوكرانيا هو تاريخ قائم على الوحدة الاقتصادية وإلى حدّ كبير الوحدة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية خصوصاً بعد ثورة أكتوبر 1917، ويجمع المؤرخون والباحثون على أن روسيا بلا أوكرانيا ستفقد امتدادها إلى البرّ الأوربي والذي تحتاجه في كل مناحي حياتها الاقتصادية والسياسية.

“يقف فلاديمير بوتين لاستعادة الإرث السوفييتي المهدور منذ 1991م ويعمل بكل جدّ لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية ولو أدى ذلك إلى الدخول من جديد في حقبة حرب باردة أو حتى ساخنة في بعض المناطق”

وإذا كان تفاهم غورباتشوف- بوش الأب عام 1989 قد قاد إلى الوحدة الألمانية وبداية انفصال دول حلف وارسو عن الاتحاد السوفييتي، فإنه بدون شك، قد شكل بداية ابتعاد أوكرانيا عن الأخت الكبرى- روسيا- وبداية الاقتراب التدريجي إلى دول أوربا الغربية وصولاً إلى طلب الانضمام إلى حلف الناتو. هنا، في فترة رئاسته الثالثة، يقف فلاديمير بوتين لاستعادة الإرث السوفييتي المهدور منذ 1991م ويعمل بكل جدّ لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية ولو أدى ذلك إلى الدخول من جديد في حقبة حرب باردة أو حتى ساخنة في بعض المناطق. ويبدو أن بوتين قد حسم أمره وبدأ الهجوم العسكري على أوكرانيا.
بينت أحداث 2014 أن الغالبية الساحقة للشعب الأوكراني ترغب الانضمام إلى الغرب الديمقراطي والابتعاد عن الشمولية الروسية. ومن تلك اللحظة وضع بوتين استراتيجية حازمة لإقامة نظام موالي لروسيا فغزا القرم وضمها إلى روسيا، لتحجيم أوكرانيا.
لا شك أن أصل الأزمة بين الدولتين يعود إلى اعتبار نظام بوتين الدولة الأوكرانية صنيعة ثورة أكتوبر وأن “فلاديمير لينين” مؤسس الاتحاد السوفيتي قد أعطى أوكرانيا الأرض والاقتصاد وهيكلية الدولة على حساب روسيا- الوطن الأم- وقد آن الأوان لتصحيح هذا الخطأ التاريخي. لكن ما لم يقله بوتين في خطابه صبيحة الغزو الروسي أن الشعب الأوكراني قد اختار وطناً أماً بعيداً عن روسيا وأن إرادته هي التي يجب احترامها أكثر بكثير من تصحيح الأخطاء التاريخية- هذا إذا صح أنها أخطاء.
اليوم ليس كقبله، وما سيليه سيكون تغييراً لوجه العالم، فإما أن تتوسع روسيا على حساب الغرب وشعوب أوربا الشرقية وأن تظهر إرادة “القيصر الجديد” فوق إرادات الشعوب والديمقراطيات الغربية، أو أنه سيتلقى ضربة قاصمة كما علمنا التاريخ قبل العصر النووي، لكن ونحن نقول بضرورة كبح جماح الطموح الإمبراطوري لبوتين فإننا ندرك صعوبة الرد العسكري من قبل الناتو، لا بل استحالته، بسبب المخاوف الحقيقة من اندلاع حرب عالمية ثالثة لن ينتصر فيها أحد.
تبين الأزمة الأوكرانية عمق الأزمة التي تسود العلاقات الدولية، ويمكن التعبير عن ذلك بأن العالم تقدم إلى درجة متميزة من العلاقات الإنسانية والتطور التقني والعلمي والقوانين الإنسانية وغيرها من دلائل تطور المجتمعات البشرية، لكنه تخلف في نقل المجتمعات البشرية كلها إلى درجات متقاربة على مقياس هذا التطور.

إن أي هزيمة لروسيا في معركتها اليوم سيكون في صالح الحل السياسي في سوريا، لكن الواضح حتى الآن أن هذه الهزيمة “المأمولة” بعيدة المنال في ظل تراجع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عن الدخول عسكرياً إلى جانب أوكرانيا التي لا تستطيع الصمود في وجه هذا الجيش الجرار.

لا حاجة لنا إلى القول أن ما يحدث في أوكرانيا اليوم قد حصل ما يشبهه في سوريا، فدخول الجيش الروسي في نهاية أيلول/ سبتمبر 2015م قد حسم الوضع العسكري لصالح سلطة الطغمة، وبالتالي فإن أي هزيمة لروسيا في معركتها اليوم سيكون في صالح الحل السياسي في سوريا، لكن الواضح حتى الآن أن هذه الهزيمة “المأمولة” بعيدة المنال في ظل تراجع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عن الدخول عسكرياً إلى جانب أوكرانيا التي لا تستطيع الصمود في وجه هذا الجيش الجرار.

“إننا نعتقد في تيار مواطنة-نواة وطن أن العمل على الضغط على إدارة بوتين بكل السبل وخاصة في الداخل الروسي سيعجل الانتهاء من هذه الأزمة وهذا الديكتاتور

وإذا كانت وصفة العقوبات قد أظهرت جدواها المحدودة مع دول مثل كوبا والعراق وكوريا الشمالية وإيران فهل ستكفي لإجبار إدارة بوتين على الانسحاب من أوكرانيا وأن يعيد حساباته في سوريا وغيرها من مناطق النفوذ التي يسعى لاعتقالها في سبيل تقوية أوراقه في مواجهة أوربا الغربية والنزوع الديمقراطي داخل المجتمع الروسي؟
لا شك بأن أي تحرك داخلي من الشارع الروسي سيكون له أثر كبير على مجريات الأمور، وإن كنا لا نتفاءل بحركة حقيقية داخل الشارع الروسي- لأسباب ليس هنا مكانها- لكن تباشير هذه الحركة بدأت من اليوم الأول للمعارك، وعلى أمل توسعها في حال طالت أمد الحرب وكانت تكاليفها باهظة، ومع أمنياتنا بأن تتوقف هذه الحرب العبثية وأن تكون تكاليفها في أدنى الحدود، فإننا نعتقد في تيار مواطنة-نواة وطن أن العمل على الضغط على إدارة بوتين بكل السبل وخاصة في الداخل الروسي سيعجل الانتهاء من هذه الأزمة وهذا الديكتاتور.
تيار مواطنة- نواة وطن
مكتب الإعلام 24 شباط/ فبراير 2022

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة