الصراع القطري-السعودي داخل المعارضة السورية ـ مـايـكـل ويـس

مقالات 0 admin

يُعتبر تولّي الإئتلاف الوطني السوري مقعد سوريا في جامعة الدول العربية إنجازاً محدوداً على المستوى العملي، لكنّه يمثّل على المستوى الرمزي خنجراً في خاصرة بشار الأسد. إذ هكذا جرى إعلامه أنّ العالم العربي السنّي موحّد ضده، وأنّه يُحضَّر لسوريا مستقبلية لا يكون هو فيها. هذا يعني المزيد من العزل له، وجعله يعتمد على إيران فقط لتقوم بدور الراعي، والمموّل، وتاجر الأسلحة، والمقاول العسكري.

ويُحبِط هذا القرار أيضاً أحد الأهداف الأولى حالياً المتعلّقة باستراتيجية الأسد التالية للقضاء على التمرّد، وهي استراتيجية ترافق تحوّل النظام البطيء من قوة عسكرية تقليدية الى شبكة من الميليشيات الطائفية.

ما يعني إنعاش “إيديولجية المقاومة” – التي كانت تاريخياً عبارة عن مشروع سنّي- شيعي يُخاض على المستوى الدولي ضد إسرائيل والولايات المتحدة – وتحويلها الى شعار للمّ الشمل ينادي بالقومية. ولعلّ هذا هو الغرض من دعوة مفتي الجمهورية السورية أحمد حسون الغريبة الى الحرب الأسدية المقدّسة قبل أسابيع قليلة. فجاء منح الجامعة العربية الإئتلاف مقعد سوريا ليشكّل ضربة سريعة مضادة.

غير أنّ خلفية هذا العرض الظاهري لوحدة المعارضة، جاءت مشحونة بالخلافات. فقد استقال رئيس الإئتلاف معاذ الخطيب من منصبه قبل 48 ساعة من بدء القمة العربية، لأنه كما يشير فواز طلّو، لم يستطع أن يهضم فكرة أن يكون رئيساً صورياً لإمساك الإخوان المسلمين بالسلطة. (طلو هو الرجل الذي أقنع الخطيب بخوض غمار السياسة في البدء).

عندما جرى تشكيل الإئتلاف في تشرين الثاني الماضي، كان الأمر، بشكلٍ ما، بمثابة إعادة إطلاق للمجلس الوطني السوري الذي فقد سمعته الحسنة، والذي تمّ تغيير وجهته وإعادة الثقة إليه على يد راعييه القطريين في مؤتمر الدوحة ما أدى إلى قيام الإئتلاف. ولأنّ المجلس الوطني السوري فقد تماماً ثقة وزارة الخارجية الأميركية، والتي أرادت بأن تضم المعارضة الى صفوفها المزيد من النساء والأقليات، أُجبرت قطر على التعاون مع المبادرة الوطنية السورية لرياض سيف التي توافق عليها الولايات المتحدة، والتي تهدف الى تشكيل هيئة معارضة جديدة يمكن للغرب ان يعترف بها. غير أنّها تعهّدت للأخوان المسلمين بأنّهم سوف يستمرون بشغل دور في المنظمة الجديدة، التي كانوا هم من بين أهم مكوناتها وحتى صانعيها. وحتى الآن التزمت قطر بالوعد الذي قطعته.

قد يكون رئيس الوزراء الذي انتخبه الإئتلاف للحكومة الإنتقالية، أو لا يكون “إخوانياً أكثر من الإخوان المسلمين أنفسهم”، وفقاً لتعبير روبرت فورد (السفير الأميركي في سوريا) الظريف، غير أنّ استقالة عشرات المستقلين من الإئتلاف احتجاجاً على “انتخابه” (صوّت 48 عضواً فقط، نال منها 35 صوتاً)، أمر مقلق بحد ذاته.

آخر ما يحتاج إليه النظام في الوقت الحالي هو تصوير أعدائه كإسلاميين، عندما يقوم ثلث أعدائه مرة أخرى بالتعبير عن معارضتهم للتصويت على هيتو من خلال الانسحاب من الجلسة. ففي إعلانها “تجميد” عضويتها، عزت نائب الرئيس سهير الأتاسي قرارها الى “الفشل في العمل التنظيمي وإلى النقص في المهنية”. هذا، ومن دون شك، الدلالة الأخيرة على كيفية تعامل الإخوان مع المرأة، والتي تبرز في مصر ما بعد الثورة. وكانت كافية لمنح الحركة النسائية في سوريا تحفظات طويلة الأمد حول قيام أصحاب الإيديولوجيات باستغلالهنّ لتحريف الحقائق.

وقد انضمت الأتاسي الى الإئتلاف على الأرجح لأسباب مشابهة لأسباب الخطيب نفسه. وعبّر هذان المسؤولان المستاءان في الإئتلاف، عن تضامن جميل خلال القمة العربية، ولكن ليس هناك ما يدعو للشك بأنه تحت السطح، تستمر المشكلة نفسها.

وبالفعل مهما كان الذي حصل قبل القمة من تزلّف للخطيب للتصرّف، كما لو انّه لم يستقل، فإن الشخصية التي برز فيها كانت مثيرة للإعجاب ومشابهة لتصرفات رجالات الدولة. وهي تظهر كذلك النية الحقيقية من وراء عرضه المدروس بدقة للتفاوض مع النظام – وهو إعلانه الأول لاستقلاله عن الإئتلاف. وفي ذلك الوقت أشار المعارض الليبرالي عمار عبد الحميد، أنّ ذلك لم يكن يرمي الى الحلول مكان البعد العسكري للثورة، ولكن فقط الى استكمالها بحركة نبيلة تجبر الأسد وداعميه الإيرانيين والروس على طرح رغبتهم التي لطالما كرّروها بالحوار. “هل تريدون حقاً الحوار؟” هو السؤال الذي يعرف الخطيب مسبقاً الإجابة عنه. ودعوته في الأمس حلف الناتو الى استخدام بطاريات باتريوت لحظر طيران النظام السوري فوق شمال سوريا – لا تحمي فقط تركيا من الخروقات الجوية – بل وتدل كذلك على أنّه لا يزال جاهزاً لإحراج الولايات المتحدة لفشلها في التدخل العسكري في سوريا. فالعديد من الخطوط الحمر تمّ تجاوزها قال الخطيب قبل أسبوع من إعلانه استقالته.

بالنسبة للمراقب العادي، تبدو المعارضة السورية منذ نحو عامين بمثابة كوميديا سوداء لمجموعة تقضي على نفسها بنفسها، حافلة بالشقاقات الحزبية، وبمجموعة من “الأنا” المضخّمة التي تتنافس على دور لها ما بعد الثورة. هذا التقويم ينطوي على شيء من الحقيقة بالطبع، لكن سبب هذا التوتر الذي أدى الى هذا الاختلال الوظيفي الكبير هو العداء الجيوبولوتيكي القائم بين راعيي المعارضة الأساسيين؛ قطر والمملكة العربية السعودية. وقد كان لهذا العداء الأذى الأكبر على القدرة العسكرية للثوار السوريين. فقد تصرّفت الدولتان الخليجيتان كما يتصرف الزوجان المطلقان، حيث يحاول كل واحد منهما أن يدلّل طفلهما المشترك أكثر من الآخر مقابل حصوله على ولاء كامل منه. وكان لا بد من هذه النتيجة أي الحصول على ولد انتهازي، حاول في مراهقته أن يلعب على الطرفين، أو جاءت تصرفاته أقل من الآمال المعقودة عليها. وعليه، لن يستطيع تجاوز هذه النزعات سوى ببلوغه مرحلة النضج النفسي.

لكن في تقرير آخر يفتح آفاقا جديدة قام به معهد دراسة الحرب، تحدّد إليزابيت أوباجي المعضلة الأساسية للثوار بأنّها التنافس بين الدول الخليجية الراعية لهم و”المصادر المتنوعة الأخرى للتمويل” التي حصل عليها الجيش السوري الحر. فكانت المداهنة، والمنافسة، وذهنية القيادات العسكرية المتزاحمة على السلطة، والفساد حصيلة هذا التنافس، وهي نتائج شكلت معوّقات لقيام بناء نهائي متسلسل هرمياً [للمعارضة] يتمتّع بقيادة واضحة وقدرة على الإدارة.

وتقدم أوباجي سرداً تاريخياً مفيداً لمحاولات جرت لخلق ذلك تم إجهاضها – محاولات تحطّمت، لأن الرياض والدوحة غير قادرتين على الإنسجام. فلنبدأ بأيلول 2012 مثلاً، تمّ إعلان القيادة المشتركة للمجلس العسكري للثورة في محاولة سعودية- قطرية لاستغلال التقدّم الذي أحرزه الثوار، لاسيّما في إدلب وحلب. فقد سيطرت قطر على المجالس العسكرية الإقليمية، التي تؤمّن احتياجات الكتائب المحلية، في حين سيطرت السعودية على مكتب التنسيق، الذي يتولّى شؤون الاتصالات والشؤون اللوجيستية.

وخشية أن يتم إحباط مناوراتهم في ما يتعلق بالنفوذ، قام السعوديون بمضاعفة دور مكتب التنسيق، وبتعيين موالين لهم في المناطق التي يشعرون فيها بسيطرة القطريين. فما كان من الثوار الذين ضاقوا ذرعاً بالتدخلات الخارجية إلاّ أن أسسوا مجالس عسكرية منافسة، مؤلفة من قادة منتخبين بدل من أن يكونوا معيّنين. وهكذا باتت لبعض المحافظات هيئتان تدّعيان القيام بالوظيفة نفسها. فاشتعلت الخلافات الداخلية وفي بعض الأوقات تمّ عزل بعض القادة المنافسين.

وفي نادرة أخرى تُحسن اختيارها، تذكر أوباجي أنه على جانب المؤتمر الوطني السوري في تشرين الثاني الماضي في الدوحة، عقدت الحكومة القطرية اجتماعاً مغلقاً لكافة قادة المجالس العسكرية، وفصائل القيادة المشتركة، وقادة الثورة المستقلين. وقد أُعطوا مالاً فقط من أجل حضور الاجتماع ووُعدوا بإعطائهم أسلحة في حينه. فلم تستطع السعودية الامتثال لمثل هذه المناورة للإمساك بالسلطة من قبل جهة واحدة، وقدّمت عرضها الخاص الى قادة الثورة لكي لا يحضروا مؤتمر الدوحة. وتم إجبار البعض منهم. وهكذا بينما كان المؤتمر منعقداً، جاء إعلان من مظلة أخرى من الثوار من داخل سوريا، ما تُعرف بقيادة الجبهات الخمس، التي أعلن عن تشكيلها عبر اليوتيوب المتحدّث باسم المجلس الثوري الأعلى لؤي المقداد، المقرّب من العضو في “تيار المستقبل” عقاب صقر، الذي قام بتنسيق علاقة السعودية بالمعارضين. وقام مصطفى الشيخ، القائد الأسبق للمجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر بالمصادقة على قيادة الجبهات الخمس. وقامت كل من محطة “العربية” وجريدة “الشرق الأوسط” بتغطية هذا الخبر، في حين تجاهلته “الجزيرة”.

وقد لعب الثوار الأذكياء دورهم في هذه الأوبرا الهزلية. كما كتبت أوباجي، “لكي يحصلوا على اموال من الراعيين، قامت المنظمتان الثوريتان بالانفصال اسمياً، فأرسلتا قائدا الى الدوحة في حين بقي الآخر في سوريا. ورغم توحّدهما تحت لواء جهاز قيادي واحد، زعم القائدان أنّهما يتعاملان مع مجموعات مختلفة من الثوار وادّعيا الالتحاق بوحدات متنافسة”. ومن الجدير تذكّر ذلك في المرة التالية التي ترون فيها أحد الديبلوماسيين أو خبيراً ما في الشرق الأوسط يصرّحان للصحافة ملقين اللوم في مسألة “الفوضى” اللاحقة بالمعارضة السورية على المعارضة نفسها. ولحسن الحظ، تجري بشكل أكثر جدية مواجهة هذه الفوضى في الميدان.

تُعتبر القيادة العسكرية العليا هيئة عسكرية جديدة مخصّصة للعب دور وزارة الدفاع بالنسبة للإئتلاف. وهي تضم شخصيات ووحدات من القيادة المشتركة وقيادة الجبهات الخمس، ولكنّها أبدت حتى الآن ميلاً نحو البراغماتية والتنسيق على مستوى الوطن. وقد تلقّت القيادة الأسلحة الكرواتية الثقيلة وبدأت في توزيعها ابتداء من كانون الأول- كانون الثاني (رغم أن بعض هذه المواد وصلت الى أيدي المتطرفين، فإن القسم الأكبر منها وصل الى أطراف تتمتّع بمسؤولية أكبر). والقيادة العسكرية العليا هذه هي التي أنهت سريعاً الاختطاف الكارثي الذي قامت به كتيبة شهداء اليرموك لـ 21 عنصراً من عناصر حفظ السلام في الأمم المتحدة الشهر الماضي، في حادثة الى جانب كونها تُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، فقد كانت تهدّد بتبخّر مصداقية الثوار بين ليلة وضحاها. وهذه هي القيادة التي ينوي جون كيري أن يرسل إليها أطعمة حلال اقترب موعد انتهاء صلاحيتها و”مساعدات غير مميتة” أخرى.

صحيح أنّ القيادة العسكرية العليا تضم أفراداً من جبهة التحرير السورية والجبهة الإسلامية السورية، وكلتاهما تضمان كتائب سلفية جهادية بغيضة، غير أنّه في هذه المرحلة المتأخرة من التمرّد، لا خيار امام القيادة العسكرية العليا سوى العمل مع مثل هذه العناصر إذا كانت لا تود أن تقوم هذه العناصر بتصنيفها. ولم تسمح بانضمام “جبهة النصرة” فرع القاعدة في سوريا الى صفوفها، لأنّ الولايات المتحدة وضعتها على لائحة المنظمات الإرهابية.

أما ما مرّ من دون أن يُلاحظ في المشهد المتهاوي الأسبوع الماضي فهو كيف أنّ الرد المثير للاهتمام للقيادة العسكرية العليا على انتخاب هيتو أظهر أن بعض عملاء الخليج تعلموا عن طريق التجربة القاسية أنّهم لكي يكونوا مؤثرّين، عليهم ان يبقوا على مسافة ممن يموّلونهم. علماً أن رئيس القيادة العسكرية العليا الجنرال سليم إدريس مقرّب من الممولين القطريين وكذلك من أمين عام الإئتلاف مصطفى صباغ، المرتبط بالإخوان والمسؤول عن تنصيب هيتو رئيساً للوزراء. ولكن لماذا إذاً رفض إدريس في البداية الاعتراف بهيتو رئيساً للحكومة الانتقالية؟ ففي الظاهر، بدا هذا الرفض غريباً جداً لا سيّما وانّ إدريس لطالما اشتكى من الحاجة الى حكومة انتقالية في سوريا المحرّرة للقيام بأعباء المسؤوليات المدنية، مثل إعادة الكهرباء وتوزيع الخبز، التي يؤديها اليوم الثوار المجهدون.

الجواب على ذلك هو أنّه في حين قد تقبل القيادة العسكرية العليا المال والسلاح من جهات خارجية، فإنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّها تدين لها بولاء من الناحية العقائدية. وتلحظ أوباجي بشكل صحيح أنّ “النظرة السلبية الى القيادة العسكرية العليا والى “الإخوان المسلمين” عنت أنّ أغلبية أعضاء القيادة العسكرية العليا يفضلون الإبقاء على تنظيمات السلطة الخاصة بهم وعلى قنوات الموارد خارج الإئتلاف.

وهكذا، رغم أنهم يعملون ضمن إطار الإئتلاف السوري المعارض، يسارع قادة الثوار الى الإشارة أنّ القيادة العسكرية العليا تتصرّف باستقلالية وكهيئة مستقلة”.

يؤمّن مثل هذا الغموض المتعمّد فرصة للولايات المتحدة، إن أرادت استغلالها، لكي تنتزع من السعودية وقطر دور الوسيط الرئيس ومقدّم الأسلحة للقيادة العسكرية العليا. ويجب أن يكون هدفها من ذلك هو دعم القوى المعتدلة والعلمانية على حساب القوى المتطرفة. وهذا سيعني بالطبع الحصول على نتائج غير مبتغاة حيث سيصل السلاح الى الأيدي الخطأ. ولكنّه في كل الأحوال لطالما كان السلاح بين مثل هذه الأيادي، والسبب الأساسي لذلك هو أن حذر إدارة أوباما فتح الطريق أمام التصرّف بطيش وتوكيل دول غير ديمقراطية بملاحقة المصالح الأميركية علماً أنّ هذه المصالح لا تقع ضمن صلب اهتماماتها على الإطلاق. تلك كانت النتيجة غير المرجوّة، وهي نتيجة بحاجة ماسة لأن يجري تصحيحها.

 موقع NOW

 2/4/2013

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة