عن الانفجارات داخل المربعات الأمنية! ـ فايز سارة

مقالات 0 admin

آخر الانفجارات في دمشق، حدث في مربع أمني شديد الأهمية بالنسبة للنظام الحاكم. فساحة السبع بحرات بين أهم ساحات العاصمة السورية، يطل عليها مصرف سوريا المركزي، وبجانبه الإدارة المركزية لوزارة المالية، وفي الجانب الآخر، يقع البناء السابق لمجلس الوزراء السوري الذي تحول إلى مقر لهيئة الاستثمار، وقريب من المكان ثمة عدة مقار أمنية وعسكرية وإدارية وسياسية بينها اثنان من فروع أمن الدولة وقيادة منطقة دمشق العسكرية وقيادة فرع دمشق لحزب البعث الحاكم، ومقر محافظة مدينة دمشق، بل إن مجلس الشعب السوري، لا يبعد عن مكان الانفجار إلا بمقدار شارع قصير هو جزء من شارع العابد.

حساسية المكان، تفرض التدقيق في موضوع الانفجار الذي اتهمت الحكومة السورية معارضيها بالقيام به، ووصفته بأنه يمثل «سلوكا نمطيا للمجموعات الإرهابية المسلحة التي تتلقى دعما ماديا ولوجيستيا كبيرا من بلدان في المنطقة وخارجها ودعما سياسيا يدفعها إلى الاستهتار بالضوابط والقوانين»، فيما اتهمت المعارضة أجهزة النظام بالقيام به، وقال الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، إنه «يعتبر نظام الأسد مسؤولا عن هذا الحادث الآثم، الذي اقترفه بصفة مباشرة أو عبر أدواته، خصوصا عند أخذ الطبيعة الأمنية والحراسة المشددة المطبقة على المنطقة، التي جرى فيها التفجير والأحياء المجاورة له».

وبغض النظر عن الاتهامات المتبادلة حول المسؤولية عن الانفجار، وما تسبب به من خسائر بشرية ومادية كبيرة، فإن طبيعة الانفجار وما أحاط به من معطيات، تقارب طبيعة ومعطيات انفجارات أخرى، تكررت في مربعات النظام الأمنية في دمشق ومناطق سورية أخرى لها أهمية سياسية وأمنية، كان بينها الانفجار الذي أودى بحياة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أحد أبرز مؤيدي النظام من رجال الدين قبل أسبوعين، الأمر الذي يطرح بالفعل خصوصية هذا النوع من التفجيرات، ويدفع للتدقيق في مسؤولية النظام حول تلك الانفجارات.

وبداية القول، فإن هذا النوع من التفجيرات يحتاج إلى قدرات وإمكانات كبيرة، لا تشمل تأمينها المادي فقط، وإنما أيضا اختراق المنظومة الأمنية، والتغلب على الإجراءات المتخذة من قبل النظام فيها، مما يتطلب توفير استعدادات عالية في التجهيز والتنفيذ. وإذا تم تجاوز موضوعي التأمين المادي الذي يمكن أن يقال إنه سهل أو ممكن في ظل الظروف الراهنة، فإن موضوع خرق المنظومة الأمنية للنظام في مربعات النظام غاية في الصعوبة نظرا لتعدد وتعقيد أطراف تلك المنظومة في مستوياتها وتعدد وتنوع أطرافها وانتشارها الواسع، كما أن التغلب على الإجراءات الأمنية في تلك المناطق، شديد الصعوبة، نظرا لكثرة وشدة تعقيدات تلك الإجراءات التي تقوم بها السلطات السورية في هذه المناطق لتأمين الأشخاص والمؤسسات، والأبرز في هذه الإجراءات وجود الحواجز والدوريات الأمنية العلنية والخفية بكثافة لدرجة تبدو فيها هذه المناطق وكأنها ثكنات أمنية فيها بعض المدنيين، وفي حيز هذه المناطق يتم تفتيش السيارات والأشخاص والتأكد من الهويات والتدقيق في كل الالتباسات إلى الحد الأقصى. وإضافة إلى الحواجز الإسمنتية العامة التي ترسم لوحة التحرك للمارة والآليات على السواء، فإن تلك الحواجز تتكثف بالقرب من المؤسسات والأبنية التي تهم النظام. وثمة نقطة جوهرية في هذا الجانب من الإجراءات السابقة، وهي تعدد وتنوع مرجعياتها لضمان رقابة هذه الدوريات على بعضها بعضا وليس فقط رقابتها ومتابعتها للشارع وحركته، وبهذا تصير مناطقها عصية على الخروقات الأمنية من خارج المنطقة، وصعبة التحقق إذا كانت من داخل المنطقة.

وإضافة إلى ما سبق، يمكن القول، إن صعوبات وجود وتحرك المعارضين والمسلحين منهم في المربعات الأمنية، أمر لا يمكن تجاهله خاصة أن تلك المناطق تخضع لمسح سياسي/ أمني مستمر، كما يتم القيام بحملات تفتيش متواصلة على المباني والسيارات والأشخاص، ولا تستثنى من ذلك الأماكن ذات الحساسية الشديدة وبينها المناطق المحيطة بالقصر الجمهوري بدمشق، وما سبق بين عوامل تمنع أو تحد من إمكانية قيام معارضين بتنظيم تفجيرات في المربعات الأمنية.

إن الموانع العملية لقيام المعارضة المسلحة بالتفجيرات، قد لا تكون كافية لنفي قيامها بهكذا أعمال، وهذا يتطلب النظر إلى هذه الأعمال من الناحية السياسية، والتفجيرات في هذا الجانب تخدم النظام من جوانب متعددة، إذ إنها تسهل قيام النظام باتهام المعارضة بارتكاب تلك الأعمال، وهذا يساعد في تبرير الهجمات الدموية التي تقوم بها الآلة العسكرية بالصواريخ والطائرات والمدفعية ضد مناطق مدنية بحجة مكافحة الإرهاب وتدمير قواعده وحواضنه الاجتماعية، وهي من جانب آخر، تكرس سياسة إشاعة الخوف وعدم الاستقرار في مناطق على حواف خريطة صراع عسكري بين النظام وقوات المعارضة المسلحة، ومن المهم لجم سكان تلك المناطق حتى لا ينخرطوا في صفوف المعارضة المسلحة، أو يعلنوا تأييدهم لها، والوضع في دمشق شديد الحساسية في ضوء تقديرات تقول إن معركة دمشق قد تبدأ في أي لحظة، وهذا يجعل النظام أو بعض أجهزته على استعداد للقيام بتفجيرات تنشر الخوف والرعب في مناطق تحت سيطرته لكنها مرشحة لتكون مسرح عمليات عسكرية بين قوات النظام ومسلحي المعارضة.

إن موانع متعددة فنية ولوجيستية وسياسية وأخلاقية، تمنع قيام المعارضة المسلحة بالتفجيرات، وتجعل النظام في موقع المتهم بارتكاب تلك الأعمال خاصة بعد كل ما فعله من ارتكابات وجرائم قتل وتعذيب واعتقال وتهجير وتدمير لممتلكات ومصادر عيش ملايين السوريين موصلا سوريا إلى الكارثة من أجل الاحتفاظ بالسلطة، لكن النتيجة الحقيقية في المسؤولية عن التفجيرات لا يمكن أن تحسم إلا بالدلائل الجنائية، وهذه تحتاج إلى تحقيقات نزيهة، لا يمكن للنظام أن يقبلها، ويفضل بقاء الوضع «مشوشا» لا يستبعد فيه قيام المعارضة المسلحة بالتفجيرات!

 14 ابريل 2013 ـ جريدة الشرق الاوسط

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة