جملة اعتراضية ـ علاء الاسواني

مقالات 0 admin

هل يحتفظ مبارك بابتسامته؟

علاء الاسواني

كان هناك رجل يهودي فقير كثير العيال يعيش في ضنك، لدرجة أنه كان ينام مع زوجته وأولاده العشرة في حجرتين، ولما زادت معاناته ذهب الى الحاخام وقال:

ـ لم أعد أحتمل بؤس حياتي، صلِّ من أجلي أيها الحاخام وقل لي ماذا أصنع؟

استمع اليه الحاخام بهدوء وطلب رؤيته في اليوم التالي ولما جاء وجد الحاخام ممسكاً بخنزير وقال له: ـ إن الله يطلب منك أن تأخذ هذا الخنزير ليعيش مع أسرتك.

أصيب الرجل بالذهول فالخنزير حيوان نجس في الديانة اليهودية، كما أن بيته قد ضاق بأولاده فكيف يضيف اليهم خنزيراً. حاول الرجل التملص من اصطحاب الخنزير ولكن عبثاً، فقد أكد له الحاخام أن هذه إرادة الله التي لا رادّ لها. استسلم الرجل واصطحب الخنزير الى بيته فتحولت حياته الى جحيم، صال الخنزير وجال في البيت وحطم الأثاث وتبرز وفاحت رائحته البشعة في كل مكان. بعد أسبوع، استغاث الرجل بالحاخام لكي يخلصه من الخنزير لكنه رفض بحزم. مر أسبوع آخر وجاء الرجل الى الحاخام فقبّل يديه وبكى بحرارة وقال:

ـ أيها الحاخام، ارحمني. رائحة الخنزير لا تطاق وقد تحطم الأثاث جميعاً ونحن عاجزون عن الحياة في البيت بسبب الخنزير.

عندئذ سمح له الحاخام بالتخلص من الخنزير. مر أسبوع وظهر الرجل ولما سأله الحاخام عن حاله ابتسم وقال:

ـ الحمد لله. أنا صحيح أعيش مع أولادي العشرة في حجرتين ونحن فقراء للغاية لكننا نعيش في نعمة بعد أن تخلصنا من الخنزير.

هذه الحكاية المعروفة تستعمل عادة للتدليل على أن الإنسان يجب ألا يتذمر من أحواله السيئة لأنها يمكن أن تكون أسوأ بكثير، لكنني كلما قرأتها تساءلت: لماذا كان قدر الرجل في الحكاية أن يختار بين الفقر والحياة مع خنزير؟ ما الذي فرض عليه أن يختار بين السيئ والأسوأ؟ أليس من حق هذا الرجل أن يعيش حياة آدمية مع أسرته في مكان مناسب؟ حكاية الحاخام والخنزير تمثل حالتنا في مصر الآن.. عندما قامت ثورة «25 يناير» اشترك فيها ملايين المصريين ودفعوا ثمناً باهظاً من دمائهم حتى تمكنوا من خلع مبارك من السلطة. عندئذ سادت حالة من التفاؤل وأحس المصريون أنهم يبدأون عهداً جديداً يتخلصون فيه من الظلم والاستبداد، ويحققون العدالة والحياة الكريمة، لكن الأمور بعد عامين تدهورت بشدة الى الأسوأ: انفلات أمني وغلاء وبطالة وفوضى في كل مكان، لدرجة دفعت مصريين كثيرين الى الحنين الى نظام مبارك الفاسد الظالم، تماماً كما حنَّ الرجل اليهودي في الحكاية الى حياته البائسة قبل وصول الخنزير الى بيته. إن تردي أحوال المصريين بعد الثورة هو غالباً ما دفع مبارك الى الابتسام في الجلسة الأولى من إعادة محاكمته، كان يبدو واثقاً راضياً تماماً عن نفسه وراح يحيي أنصاره وكأنه مرشح رئاسي.

إن مبارك يعتبر نفسه بطلاً قومياً ويؤمن أنه أدى إنجازات كبرى وهو لا يشعر إطلاقاً بفساد نظامه وجرائمه التي أدت بمصر الى الحضيض في كل المجالات. هذه الحالة من خداع النفس تكررت دائماً عبر التاريخ مع الحكام المستبدين جميعاً. إن الأفكار التي أسست لنظام مبارك، مع تردي الأحوال وانتشار الإحباط، بدأت للأسف تنتشر بين بعض المصريين، ولعله من المفيد أن نناقشها:

أولاً: يعتقد حسني مبارك أن الشعب المصري لا يصلح لممارسة الديموقراطية، وبالتالي على المصريين دائما أن يختاروا بين الاستبداد والفوضى. هذه الفكرة، التي طالما استعملت لتبرير تزوير الانتخابات وقمع المعارضين لا أساس لها، كما أنها تنم عن جهل قائلها. المصريون قد بدأوا ممارسة الديموقراطية مبكراً، ومنذ العام 1923 حتى قيام «ثورة 1952»، لم تجر أي انتخابات نزيهة إلا واكتسحها «حزب الوفد» الذي كان آنذاك يمثل إرادة الشعب، معنى ذلك أن الفلاحين البسطاء كانوا يصوتون ضد ملاك الأراضي وأن صغار الموظفين كانوا يصوتون ضد كبار المسؤولين. لعلنا نذكر الأعداد الضخمة من المصريين الذين اشتركوا في استفتاء آذار العام 2011 ولا ننسى وقوف ملايين المصريين (خصوصاً النساء) في طوابير الاستفتاء الأخير ليرفضوا الدستور الباطل الذي فرضه علينا الإخوان.

ثانياً: يعتقد مبارك أن الكرامة والحرية وغيرها من المعاني ليست الا شعارات فارغة طالما سخر منها، لأنه يرى غاية المصري أن يأكل ويشرب ويعمل ليكسب نقوداً يربي بها عياله. لقد أثبتت الثورة المصرية فساد هذه الفكرة، فقد نزل الى الشوارع عشرون مليون مصري وقدموا أرواحهم من أجل الحرية والكرامة، بل إن معظم شبان الثورة الذين استشهدوا أو أصيبوا كان بإمكانهم أن يحصلوا على عقود عمل في دول الخليج حيث يقضون سنوات ويعودون بالثروة. كان بإمكانهم أن يبحثوا عن حل فردي لأزمتهم، لكنهم قرروا أن يغيروا مصر كلها، أي أنهم فضلوا الثورة على الحياة الآمنة الذليلة.

ثالثاً: يعتقد مبارك أن مبادئ حقوق الانسان وسيادة القانون تصلح في البلاد الغربية و لا تصلح في مصر لأن لها خصوصية ثقافية تجعل علاقة المواطن بالسلطة مختلفة عن المواطن الغربي. هذا المنطق كان يستعمل أيام مبارك لتبرير القمع ضد المصريين، وللأسف قد تسربت هذه الثقافة من قمة النظام الى المستويات الأدنى من السلطة التنفيذية. ضباط شرطة كثيرون يعتقدون أن هناك أنواعاً من المصريين (مثل البلطجية والمعارضين السياسيين) لا ينفع معها إلا القمع والتعذيب. هنا قد يرد مبارك وأنصاره بأن قمع المصريين استمر بعد خلع مبارك، مما يدل على أن السلطة في مصر مضطرة الى قمع المواطنين حتى تسيطر عليهم. صحيـح أن المجلس العسـكري مســؤول عن مذابح عديدة تم خلالها قتل المواطنين وتعذيبهـم، كــما أن الشــرطة في عهد الاخـوان قد قتـلت مئة شهيد وعذبت الآف المواطنين. لكن استمرار القمع بعد تنحي مبارك لا يدل على انه ممارسة ضرورية لحكم المصريين وإنما يدل على أن نظام مبارك لم يسقط بعد.

رابعاً: يعتقد مبارك أن نظامه، برغم عيوبه، كان العائق الأخير أمام وصول «الإخوان» الى السلطة. هذه الفكرة كـان مــبارك ينشــرهــا خارج مــصر وداخــلها حتى يتقبل العالم أجمع نظامه الاستبدادي الفاسد كبديل أقل سوءاً من وصول «الإخوان» الى الحكم. وكأن الله قد كتب على المصريين أن يظلوا الى الأبد بين مطرقة العسكر وسندان الإخوان، وقدر عليهم دائماً أن ينحصر اختيارهم بين الفاشية العسكرية والفاشية الدينية. لقد كان وصول «الإخوان» للحكم خطوة ضرورية، تجربة مؤسفة ولكن لا مفر من اجتيازها حتى يتعلم المصريون كيف يفصلون بين الدين ومن يتاجر به. كان لا بد للمصريين أن يجربوا كذب «الإخــوان» وتصرفاتــهم البعيــدة تمامــاً عن أخلاق الدين حتى يفهموهم الى الأبد. ها هو الشعب الذي انتخب في البرلمان يسقطهم في انتخابات اتحادات الطلاب والنقابات المهنية.. والبقــية تأتي. لم يكن نظـام مبــارك يحمــينا منــهم بل كــان يمكــّنهم منا، ولولا استبداده لما انتشر نفوذهم ولما وصلوا الى الحكم.

ليس هناك اذاً سبب حتى يشمت مبارك بالمصريين. ان الثورة التي صنعناها أكدت على أن بلادنا لا زالت حية وأنه لا زال بمقدورنا أن نطالب بالحرية والكرامة. لم يخطئ المصريون عندما خلعوا مبارك لكنهم أخطأوا عندما تركوا نظامه في السلطة. أخطأوا عندما طلبوا تحقيق أهداف الثورة من المجلس العسكري ونسوا أنه مكون من تلاميذ مبارك. أخطأ المصريون عندما وثقوا بـ«الإخوان» وتوقعوا من مرسي تحقيق أهداف الثورة، وسرعان ما اكتشفوا انه ليس إلا مندوباً لـ«الإخوان» في الرئاسة وأنهم يريدون أن ينفذوا خطة تمكنهم من السيطرة على الدولة الى الأبد. أخطأ المصريون لكنهم سرعان ما تعلموا من أخطائهم. لا يجوز أن ينحصر اختيار المصريين بين العسكر و«الإخوان». لا بد من استمرار الضغط السلمي حتى نرغم «الإخوان» على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو مطلب ديموقراطي مشروع. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها جميعاً وعندئذ لن يجد مبارك سبباً للابتسام.

الديموقراطية هي الحل

السفير ـ 1642013

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة