معركة الجهاد العالمي في سورية ـ يورام شفايتسر وغال توران

مقالات 0 admin

التقديرات المتنوعة التي نشرت في السنوات الاخيرة عن طبيعة وموعد وصول حكم سلالة الاسد الى منتهاها والواقع الذي سيسود في سوريا في اليوم التالي تتواصل، ومن شبه المؤكد انها لن تنتهي الى أن يتم حسم ما في هذه الدولة الممزقة. وبالتوازي، يتواصل ايضا تردد الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بشأن السياسة الصحيحة والناجعة في نوع وطابع نقل المساعدة التي تمنح لمحافل المعارضة السورية، والتي تضم ايضا محافل اسلامية صلتها الدينية تتراوح بين التيار المتماثل مع الاخوان المسلمين وبين التيار السلفي الجهادي الذي تنتمي اليه محافل الجهاد العالمي.

وكانت اطلقت في الاسبوع الاخير عدة تصريحات على لسان محافل الجهاد العالمي في سوريا وفي خارجها يمكن الفهم منها ليس فقط الرؤيا المشتركة بينها بالنسبة لجعل سوريا في عصر ما بعد الاسد جزءا من الخلافة الاسلامية التي يتطلعون الى اقامتها بل وايضا الخلافات القائمة في أوساطهم حول طريقة ادارة الصراع لتحرير سوريا وسلوكهم تجاه السكان المحليين.

تعبير عن الرؤيا المشتركة يمكن أن نجده في تصريحات د. ايمن الظواهري، الزعيم الحالي لمنظمة القاعدة المركزية، والذي نشر في 7 نيسان 2013 دعوة للمقاتلين المتماثلين مع منظمته العمل على اقامة دولة اسلامية شرعية في سوريا. وفي حديثه شدد الظواهري على أهمية الدور الخاص للقاعدة في العراق في هذا الجهد والامكانية التي لاحت للمقاتلين لاستغلال هذه الفرصة التاريخية لاستعادة المجد واقامة الخلافة الاسلامية في قلب الهلال العربي. وبعد يومين من تصريحات الظواهري، نشر أبو بكر البغدادي، زعيم منظمة ‘الدولة الاسلامية في العراق’ المنظمة العليا لمحافل الجهاد العالمي في العراق، وابرزها منظمة القاعدة في العراق بيانا عن توسيع الخلافة الاسلامية في العراق الى منطقة الشام أيضا (سوريا)، وأعلن عن الوحدة بين المنظمة العراقية وبين جبهة النصرة. في علاقات المنظمتين حتى الان، كانت المنظمة في العراق مسؤولة عن نقل المجندين الجدد الذين تطوعوا للمشاركة في المعركة في سوريا ووصلوا من اماكن مختلفة في العالم وعن نقل وسائل القتال الى سوريا عبر العراق بل ووضع سياسة العمليات لجبهة النصرة. وفي حديثه ادعى البغدادي بان منظمته لم تنشر حتى الان هذه العلاقات سواء لاسباب امنية أم لرغبتها في ان يتمكن سكان سوريا من التعرف على جبهة النصرة بصفتها منظمة مستقلة تقاتل من أجل الشعب السوري، دون أن يتأثروا بالتشويهات الفكرية التي تخلقها عن قصد وسائل الاعلام الدولية، حول كل ما يتعلق بالقاعدة.

وفي غداة نشر تصريحات البغدادي، نشر بيان باسم ابو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، تنكر فيه للاعلان الذي جاء من العراق عن توحيد القوات بين القاعدة في العراق وبين منظمته. ورغم أنه أوضح بانه هو ومنظمته يواصلان الفخار بعلم الدولة الاسلامية للعراق، قضى بان ليس في نيتهما ان يتبناه كعلمهما واضاف بان أمر التوحيد علم به هو ورجاله من وسائل الاعلام فقط وهم لا يشاركون فيه. من الجهة الاخرى عاد الجولاني وأعلن عن تجديد بيعته هو ومنظمته لايمن الظواهري، ولكنه اضاف بان هذه البيعة لن تؤثر على السلوك السياسي للمنظمة في سوريا.

ويبين فحص تصريحات منظمات الجهاد العالمي في الايام الاخيرة بوضوح التوتر القائم بين الميلين. فمن جهة، رغبة زعيم جبهة النصرة، العاملة في سوريا، في التمسك بالتطلع الفكري لشركائه الايديولوجيين، وذلك في ضوء ضرورة الحفاظ على قنوات الدعم والمساعدة من جانب شركائه في طريق الجهاد العالمي في العراق وفي قيادة القاعدة المركزية. اما من الجهة الاخرى، فرغبته في الحفاظ على استقلاله العملي واستقلال منظمته وعلى ضرورة الحفاظ على قنوات التعاون مع مراكز القوى الاخرى العاملة في سوريا ومع السكان المدنيين المحليين. كما أن تصريحاته تأتي لتبديد المخاوف القائمة في الدول الغربية، الداعمة للمعارضة السورية، من امكانية أن يصل الدعم المالي والعسكري الذي ينقل الى سوريا الى محافل الجهاد العالمي ويستخدم في المستقبل من مقاتلي القاعدة للعمل ضد مصالحها.

وتجدر الاشارة الى أن السلوك الحذر لزعيم جبهة النصرة يقوم على اساس الدروس التي استخلصت من التجربة المريرة للقاعدة في العراق، والتي درج رجالها على أن يفرضوا بالقوة أنماط حياتهم على السكان المحللين، فاثاروا ضدهم رؤساء العشائر المحليين الذين تعاونوا في النهاية مع الجيش الامريكي في القتال ضدهم.

وينسجم الامر ايضا مع تعليمات بن لادن لشركائه في الحجاز، مثلما وجد هذا تعبيره في رسائله التي وضعت اليد عليها في منزله في أبوتباد، والتي دعا فيها الى مراعاة السكان المحليين والامتناع عن الاغتراب عنهم. ووجد تشوش العلاقة بين المنظمات الجهادية السلفية والقاعدة تعبيره في شطب كلمة القاعدة من اسمهم، مثلما فعلت منظمات جبهة النصرة وغيرها، التي تعمل مع القاعدة على جدول أعمال مشترك في دول الشرق الاوسط، المغرب والخليج.

ورغم الخلاف اللفظي الجاري هذه الايام في الخطاب الداخلي في أوساط المنظمات السلفية الجهادية العاملة معا على حسم المعركة في سوريا، والذي يكشف النقاب عن صدوع وخلافات تكتيكية في أوساط من يعرضون مرات عديدة في وسائل الاعلام العالمية ككتلة موحدة منسجمة، لا ينبغي الوقوع في الخطأ بالنسبة للاهداف المشتركة. فمعظمهم إن لم يكونوا جميعا يرون في المعركة في سوريا فرصة لان يقام فيها نظام اسلامي ينتهج الشريعة الاسلامية أو السيطرة على أجزاء منها وجعلها قاعدة انطلاق لمعركة جهاد اقليمية.

يمكن التقدير بان تواجد المقاتلين الشباب من قوميات مختلفة، بمن فيهم عشرات المتطوعين من الدول الغربية لا يبشر بالخير بالنسبة لامكانية الارهاب المتبلور في سوريا منذ اشهر عديدة. فتجمع الشباب المسلمين الذين وصلوا من أرجاء العالم في منطقة معينة، وتأهلوا للقتال، وجمعوا تجربة قتالية ويعملون من أجل هدف اسلامي مشترك، سبق أن حصل في الماضي في افغانستان وفي العراق، وأدى الى خلق مخزون من الكوادر الجديدة من المقاتلين الذين يمكن ارسالهم لاحقا الى اعمال جهادية في أرجاء العالم. بالنسبة للظواهري، الذي يبحث عن بلورة طريق القاعدة وشركائها في الجهاد العالمي وتوجيه عملهم تحت قيادته، فان هذه بشرى هامة وواضح أنه لا ينوي تفويتها.

وفي ضوء ذلك، يمكن التقدير بان امتناع الدول الغربية، بما فيها اسرائيل، عن التدخل في ما يجري في نطاقها حتى الان، سينتهي اذا ما وعندما يلوح وضع فيه تصبح سوريا دولة شريعة بروح السلفية الجهادية.

في مثل هذه الحالة لا يتوقع فقط مقاومة نشطة من جانب مجموعات مختلفة في سوريا تتعاون مع كل من يقاتل ضد الاسد بل وايضا تدخل عسكري خارجي يمنع هذه الدولة المركزية والهامة في الشرق الاوسط من أن تتحول الى مركز تآمري في المنطقة بل واكثر من ذلك.

نظرة عليا 22/4/2013

القدس العربي ـ صحف عبرية

APRIL 22, 2013

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة