من تزمين الثورة إلى الثورة المستمرة ـ غسان المفلح

مقالات 0 admin

منذ سقوط دماء المتظاهرين السلميين في الشهر الاول للثورة في مارس 2011, تحدثت في اكثر من مقالة, عن سيناريو تحكمه معادلات دولية, عمادها ثلاث إسرائيل والنفط والموقع الجيبوليتيكي لسورية, حيث الموقفين الايراني والروسي, وتحدثت بما يشبه التفصيل عن السيناريو الاسرائيلي المطروح لسورية, إما أن يئد آل الأسد الثورة في مهدها أو يفنى البلد. وفي هذا ما وصفته آنذاك بسيناريو تزمين الثورة, وتحولها لثورة مزمنة كي يبقى آل الاسد طرفا في سورية مهما تدمرت, كما نبهت لاحقا من السيناريو السوداني حيث أن الرئيس عمر البشير ملاحق قضائيا من محكمة الجنايات الدولية بتهمة الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية, وبقرار من مجلس الامن أيضا, ومع ذلك اعادوه للحظيرة الدولية, وبشار الاسد لم يتم قانونيا تجاهه أي اجراء دولي, بالتالي اعادته للحظيرة الدولية اسهل بما لايقاس.

تزمين الثورة يعني على الارض صوملة سورية, الطرف الوحيد الخاسر فيها هو الشعب السوري. الذي فاقت تضحياته من أجل حريته وكرامته تضحيات أي شعب آخر في المعمورة, مع ذلك حتى كتابة هذه المادة لايزال بشار الاسد تحت الحماية ليس الروسية والايرانية فقط بل الغربية. وعلى رأسهم أميركا, ليس لأنهم يخافون من البديل – اسلامي او علماني- هذا آخر همهم, بل لأن اميركا تريد ايضا ان تحقق خياراتها من دون التدخل ومن دون ان تدفع شيئا مهما في دعم الثورة, من يدفع ويخسر اموالا وشعبية هم الروس والايرانيون بشكل اساسي, يدفعون من أجل استمرار السيناريو الاسرائيلي, أي يدفعون لاستمرار العمل بخيار إما الاسد او يفنى البلد.

التذكير بهذه القضايا الغاية منه كي لايقول احد من المعارضة ومن رموزها وقواها, انهم كانوا في غفلة من ذلك, لأن ما كنا نكتبه كنا نسجله في اجتماعات المعارضة انا وغيري منذ ابريل 2011 حتى اصبحنا أقلية حاليا داخل مؤسسات المعارضة الهشة . كانت حجتهم جاهزة جميعا, وهي ان الغرب لا يريد التدخل امميا لصالح الثورة, ولهذا ساقوا معه بما يطرحه عليهم هذا الغرب بدءا من اريك شوفالييه السفير الفرنسي في سورية قبل الثورة ولايزال يحتل هذا الموقع, مع السفير الاميركي روبرت فورد بالنسبة لما عرف لاحقا بالتيارات التي شكلت المجلس الوطني, وسيرغي لافروف بموقفه ضد التدخل بالنسبة لما عرف لاحقا بهيئة التنسيق, كانت نقطتا الخلاف الاساسيتان بين الهيئة والمجلس هما: الموقف من التدخل الدولي ومداه, والنقطة الأخرى الموقف من موقع آل الاسد في الحل السياسي. وماتبقى كله خلافات تفصيلية علما ان المجلس الوطني لم يطالب رسميا حتى اللحظة بالتدخل الدولي, وتبنى هذا الموقف الائتلاف الوطني لاحقا بزعامة الشيخ معاذ الخطيب. الثورة عانت من خلل رسمي منذ البداية وهو:

أن معظم التيارات والشخصيات التي تدعي العلمانية, اصطفت عمليا مع الروس كي لا اقول مع السلطة, لماذا? تحت حجة انهم ضد التدخل وضد الاسلاميين, اما الطرف الآخر فتاه بين فقدان مؤسسة قوية تمثل التيارات الليبرالية واليسارية, وبين وجود مؤسسة قوية بالقياس تسمى جماعة الاخوان المسلمين في سورية.

لهذا لم تستطع هذه التيارات ان تحقق حالة هيمنة ايديولوجية في الثورة, ولم تجد الدول غير “الاخوان” وتحالفاتهم يمكن التحدث معهم ودعمهم.. لانهم مؤسسة من جهة, ولان الغرب قادر على الانسحاب في اي لحظة بحجة “الاخوان”,لهذا نجد ولضعف “الاخوان” شعبيا داخل الثورة في عامها الاول, ان التعبيرات السياسية عن عسكرة الثورة جاءت ارتجالية ومن عمق التراث التقليدي للمجتمع السوري, بما هو تراث اسلام تقليدي استطاع اللعب فيه من استطاع حتى وصلنا لجبهة النصرة.

لم تستطع جماعة “الاخوان “وتحالفاتها ان تحقق هذه الهيمنة الادبية على الشارع ايضا, فتركت الثورة في الداخل بلا رأس, حاول “الاخوان” لاحقا الانتباه للموضوع لكن كما يقال في المثل الشعبي” يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب”. العسكرة رغم ما فيها من سلبيات يمكننا الحديث عنها بمجلدات, كما يرغب من يتصيد الثورة لكنها جعلتها ثورة مستمرة طوال عامين, واصبح اكثر من 60 في المئة من اراض ومدن سورية محررة من سيطرة آل الاسد, الغرب وصل لما يريده من سيناريو وبخاصة ادارة اوباما تزمين مع صوملة, والروس والايرانيون لا خيار آخر عندهم سوى الاستمرار بالتورط مع دعم آل الاسد, واميركا تكسب من دون ان تدفع. وكله على حساب دماء السوريين المستمرين في ثورتهم. الغرب لايريد مؤسسات علمانية وليبرالية ويسارية قوية في الثورة حتى اللحظة, هذا للعلم. والتيارات والشخصيات الموجودة ضعيفة واصبحت في حالة مزايدة مع غيرها..!

نقطة اخرى ادت دورا سلبيا وهي لوبيات بعض الطوائف والاقليات لدى الغرب, من خلال دعمها لآل الاسد ليس نتيجة خوف من الاكثرية, بل نتيجة لعوامل مصلحية اخرى, وثقافة كارهة على طريقة الاسلام فوبيا, وهؤلاء حالهم كحال جبهة النصرة وايديولوجيا “القاعدة”, اتركوكم من ادعاءات العلمانية وغيرها, حتى الخوف من الاسلاميين إن وجد فهو لتلميع الصورة كي تظهر احلى! لأن الجميع يعرف بأنه لاحظ للاسلاميين بحكم سورية, حتى الاسلاميين انفسهم يعرفون ذلك..

الاشقاء الأكراد ايضا انعكست عليهم امراض المعارضة فهم جزء من هذا المجتمع, وهذا الشقاق انعكس بدوره سلبا على الثورة, ايضا تفتت الاسلاميين في الداخل, انعكس على العسكرة كظاهرة سلبية. لكن الاكيد ان هذه الثورة بقيت نظيفة تقريبا من سيطرة الطائفية عليها كما يدعي مجاهدو العلمانوية, حيث ان هناك خطراً الان يهدد استمرار الثورة وهو يتعلق بما تواجهه القاعدة الشعبية للثورة من ضغوط فاقت اي خيال من قتل ومجازر وتهجير وافقار. تأتيني رسائل عدة يومية من الداخل والخارج وبخاصة بعد كل مجزرة ترتكبها قوات و”شبيحة” آل الاسد. كلها تسأل السؤال التالي: لماذا يا أستاذ لا يتم الضغط على القاعدة الشعبية للنظام من خلال مهاجمة قوات النظام هناك? يقصدون اللاذقية وطرطوس وريفهما .دوما ارد, علينا ألا نقتدي بالمجرم, فاهل تلك المناطق اهلنا- ويرد بعضهم علي ايضا بالقول- لكن يا أستاذ هم لو كانوا يعتبروننا اهلهم ايضا كما تقول, لضغطوا على النظام على الاقل ليوقف القتل.! كما اتاني هذا التعليق من صديق معارض”من السذاجة أن تبقى الحاضنة الشعبية للثورة تحت الضغط المستمر, وهي بالتالي تضغط على العاملين في الثورة وعلى كل الصعد, بينما حاضنة النظام الشعبية تعيش في بحبوحة, وبالتالي لا تمارس أي ضغط على النظام, لوقف القتل”! هذه القضية بحاجة إلى معالجات سريعة جدا.

حسنا نعود طالما ان الغرب لايريد التدخل لدعم الثورة من اجل انتصارها كما تقول المعارضة, فكيف نفوت الفرصة على تحويل الثورة إلى ثورة مزمنة, تحويلها إلى صوملة سورية?

تحسين الاداء التنسيقي بين قوى الثورة على الارض العسكري منها والسياسي والشعبي من جهة, ورمي الكرة ليس في ملعب المجتمع الدولي فقط بل رميها في وجهه ايضا, من جهة اخرى هو خائف ليتفضل ويتدخل ويحمي أمن إسرائيل ويمنع خطر الاسلام المتشدد,اما الدخول معه في مماحكات فهو الاقدر بها.

سورية التي عاشت اول تجربة ديمقراطية في الوطن العربي كجمهورية مستقلة, وسابع دولة بالعالم اعطت المرأة حق التصويت والترشح لكل المناصب بعد استقلالها عن فرنسا في 17 ابريل 1946 تستحق دولة ديمقراطية.

23/4/2013- السياسة

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة