الفقر السوري الراهن ـ فايز سارة

مقالات 0 admin

قبل نحو عقد من الزمان، أكدت دراسة أممية حول الفقر في سوريا، شاركت الحكومة السورية بالإشراف عليها، أن الفقر يشكل ظاهرة عامة في البلاد، وأن واحدا من كل ثلاثة سوريين يعيش في محيط الفقر، وهو المحيط القريب من دخل لا يتجاوز الدولارين للشخص الواحد، الأمر الذي يجعله عاجزا عن توفير الحد الأدنى من احتياجاته الإنسانية البسيطة ولا سيما ما يتعلق منها بالطعام واللباس والسكن. ولاحظت تلك الدراسة أن الفقر هو نتيجة للسياسات التي طبقتها السلطات السورية لعقود في المجالات المختلفة بالدرجة الأولى، وأن ثمة عوامل أخرى كانت تغذي استمرار الفقر منها الأمية والبطالة.

وكان من الطبيعي أن يكون الهدف الرئيس لدراسة الفقر في سوريا توليد استراتيجيات وسياسات رسمية هدفها مكافحة الفقر، أو الحد منه على الأقل بهدف الانتقال للقضاء عليه، وخاصة أن سوريا ليست من البلدان الفقيرة اقترانا بعدد سكانها، إذ تتوفر لديها قدرات وموارد ظاهرة وكامنة، قادرة حسب مختلف المصادر على توفير عيش إنساني مقبول للفئات الدنيا، إذا تم توفير حد أدنى من سياسات عادلة في إطار عملية تنموية شاملة. غير أن السياسات الرسمية التي تم تطبيقها في السنوات الخمس التالية لظهور الدراسة في عام 2005، مضت في اتجاه آخر زاد من تفاقم الفقر، رغم إطلاق مشروعات تنموية كثيرة، طرحتها السلطات السورية وسعت إلى إشراك المجتمع المدني في تنفيذها، لكن محصلتها كانت غير ذات جدوى لما أحاط بها من عمليات فساد ونهب وسوء إدارة أدت جميعها، ليس إلى عجز عن تحقيق أي تقدم في مكافحة الفقر أو الحد منه، بل إلى تزايد في معدلات الفقر بحيث زادت نسبة الفقراء بين السوريين لتصل إلى نحو 40 في المائة، وهو ما وضع البلاد على حافة انفجار اقتصادي – اجتماعي.

ولئن قصرت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في لعب دور مباشر في ثورة السوريين الحالية، فإن سياسات النظام في مواجهة حركة الاحتجاج الشعبي وسط أجواء إقليمية لعبت هذا الدور في ثورة ضد سياسات النظام للمطالبة بالحرية والكرامة اللتين لا يمكن الفصل بينهما وبين السعي من أجل حياة أفضل على الصعيد المادي، وهو وضع يستحيل تحقيقه مع وجود الفقر واستمرار عوامل توليده.

وجاءت سياسات النظام الأمنية العسكرية لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة في البلاد من خلال عمليات القتل والاعتقال والملاحقة التي شملت مئات آلاف السوريين، ثم امتد الأمر إلى عمليات تهجير واسعة النطاق طالت نحو أربعة ملايين جرى تشريدهم داخل البلاد، وأكثر من ثلاثة ملايين شردوا لاجئين ومغادرين إلى دول الجوار القريبة والأبعد منها، بينما تضمن الشق الآخر من السياسة الأمنية العسكرية تدمير البنى التحتية والممتلكات الخاصة وموارد عيش ملايين السكان، ووقف توفير مستلزمات العمليات الإنتاجية بفعل تحويل الموارد والإمكانات إلى الآلة العسكرية الأمنية، مما أدى إلى توقف عمل معظم القطاعات الاقتصادية والخدمية في أنحاء البلاد.

إن خلاصة السياسات الأمنية العسكرية للنظام في تأثيرها على السوريين، يمكن اختصارها في كلمة واحدة هي «الكارثة» بكل معنى الكلمة، ولهذه الكلمة في الواقع الاقتصادي – الاجتماعي مؤشرات من أبرزها تحول أغلبية العاملين السوريين إلى البطالة في وقت يقال فيه إن نسبة البطالة المقدرة قاربت الـ50 في المائة فقط، وإذا كانت البطالة تحول العاملين إلى فقراء، فإن تدمير الممتلكات وموارد العيش والتهجير تؤدي جميعها إلى الفقر أيضا، فقد جرى تدمير نحو مليون منزل، تضاف إلى نصف مليون آخر خارج الاستعمال لافتقادها للخدمات التحتية، كما جرى تدمير مئات آلاف المحال التجارية والمنشآت الحرفية والخدمية، إضافة إلى دمار وتوقف شركات كبرى إنتاجية وخدمية، وغالبا فإن ملايين السوريين فقدوا معظم ممتلكاتهم وأغلبهم فقدوا مدخراتهم وأعمالهم، في وقت تزايدت فيه التكاليف الأساسية للعيش اليومي، فتضاعفت 10 مرات أجور السكن، وقيمة المواد الغذائية الأساسية، وأجور النقل، وانخفضت قيمة العملة السورية إلى نصف قيمتها مقارنة بالعملات الدولية.

إن الكلام عن فقر سوري حده الحياة عند مستوى عيش بدخل دولارين في اليوم للفرد الواحد، هو أكبر بكثير من حد الفقر السوري الراهن الذي لا حدود له، لأنه يرتبط بصورة أساسية بمقدار المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تتوفر حاليا، والتي تشمل مواد غذائية وألبسة وأغطية وأدوية، أقل من أن تفي باحتياجات ملايين من السوريين صاروا بلا إمكانات ولا موارد بعد أكثر من عامين من سياسات القتل والتدمير، وهو ما تؤكده معطيات الحياة اليومية في معظم المناطق السورية، وهي تتقارب مع معطيات الحياة اليومية في مخيمات اللجوء كما في مخيم الزعتري بالأردن الذي تبدو الحياة فيه خارج الحدود الإنسانية.

ولا شك أن المسؤولية الأساسية في الفقر السوري الراهن، وتردي حياة معظم السوريين، هي مسؤولية النظام الحاكم بسياساته وممارساته الدموية، لكن المجتمع الدولي مسؤول أيضا، لأنه قصّر في إيجاد حل للوضع القائم في سوريا، وسمح باستمرار عمليات القتل والتدمير التي فاقمت الفقر، ووسعت مداه، وبدل أن يبذل كل طاقته لوقف القتل والتدمير سعى إلى توفير فتات المساعدات التي لم تكن لها قدرة على توفير احتياجات الفقراء وذوي الحاجة من السوريين، الأمر الذي يعني أن المدخل الرئيس لمعالجة الوضع السوري والفقر بصورة خاصة يتطلب وقف عمليات القتل والدمار الجارية في سوريا، بل إجبار النظام على وقفها.

28/4/2013 – الشرق الأوسط

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة