التدخل الدولي ..ليس استجداء ـ وائل السوّاح
في عام 1991، كتبت مقالة في جريدة الحياة بعنوان “التدخل لإنقاذ القاصرين”، تحدثت فيها عن ضرورة تدخل المجتمع الدولي في ليبيا لإنقاذ الليبيين من فجور وتسلط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. كان القذافي قد بدأ يدخل مرحلة العته الفاجر الذي جعله يضطهد مواطنيه سياسياً ونفسياً وأخلاقياً وجسدياً، ويفرض عليهم حصاراً دولياً، في الوقت الذي كان يبدد ثروات ليبيا على منظمات وجماعات وحركات راديكالية عربية وأجنبية، مثل جماعة “أبو نضال” والجيش الجمهوري الإيرلندي والجيش الأحمر الياباني، ويشتري 11 كيلو جراماً من اليورانيوم المخصب، ليتخلى عنها عقب الغزو الأمريكي للعراق، ويخطف طائرة شركة “تي. دبليو. أى” فى العام 1985 ويفجر طائرة أخرى فوق مدينة لوكيربى فى العام 1988، ويختطف معارضيه مثل منصور الكيخيا ويقتلهم ويخفي جثثهم فلا تظهر إلا بعد رحيله أخيراً.
كانت حجتي يومها هي أن الحكومات في الغرب تعطي نفسها الحق في التدخل في الحياة العائلية لإنقاذ القاصرين من تسلط أبويهم في حال كان الآباء غير صالحين وقاموا بتعذيب أبنائهم أو حرمانهم من الحياة السوية. والحال أن الشعوب تحتاج أحياناً إلى حماية من حكامها الذين يتصرفون كالآباء الطالحين ويشوهون حياة أبنائهم.
كان علي أن أنتظر أربع عشرة سنة قبل أن تتبني قمة زعماء العالم عام 2005 مبدأ “المسؤولية في الحماية”، وأربع سنوات أخرى قبل أن تعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع سنة 2009 القرار الأول لها بشأن هذا المبدأ، ثم سنتين أخريين لأرى العالم يتدخل بالفعل لإنقاذ الليبيين من طائرات ودبابات الطاغية الذي كان مستعداً لتدمير بلده من أجل الحفاظ على حكم العائلة.
الأمر يتكرر اليوم في سوريا. ثمة نظام مصمم على المحافظة على حكم العائلة مهما كلف ذلك من قتل للنفس وتدمير للبنية التحيتة والاقتصاد والبنى الأخلاقية واعتقال وتعذيب. بيد أن المجتمع الدولي ما زال يتعامل مع هذه المسألة ببرود واضح، ولا يبدي أية شهية لتطبيق العرف الجديد الذي اتفق عليه قادة العالم قبل ثماني سنوات.
المسؤولية في الحماية عُرْفٌ جديد نسبياً جاء من أجل إيجاد حل لمسألة تقصير المجتمع الدولي في حماية المواطنين من جرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي يتعرضون لها. وتقوم فكرة هذا العرف، الذي يرتقي إلى مستوى القانون الدولي، على أن تعريف السيادة الوطنية يشمل أيضاً مسؤولية الدولة في حماية مواطنيها، ما يعني أن ثبوت تخليها عن هذه المسؤولية عجزاً أو قصداً يتطلب إيجاد وسيلة فوق – سيادية للحماية وفق مرجعية ومعايير متفق عليها دولياً.
من هنا، فإن السوريين حين يطالبون بتدخل دولي في أزمتهم المتفاقمة التي ارتفع متوسط عدد ضحاياها يومياً من العشرات إلى المئات، فإنهم لا يطلبون ما ليس من حقهم ولا يستجدون عطية من هذه الدولة أو تلك، وإنما يطالبون بحقهم المشروع الذي تبنته قمة العالم وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة: حقهم في الحماية. لقد تخلت الدولة السورية عن مسؤوليتها في حماية مواطنيها، وبدأت الجرائم التي يرتكبها النظام وميليشياته في سوريا تتحول شيئاً فشيئاً إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وثمة خشية حقيقة من أن تتطور في قادم الأيام إلى شكل من أشكال الإبادة جماعية. هذه الحكومة إذن فقدت مقوِّماً أساسياً من مقومات سيادتها الوطنية وبات من واجب العالم – ومن حق السوريين – أن يتدخل لإنقاذهم. وأما القوى القادرة على التدخل فهي إنما تقوم بواجبها وليس لها منة على من تتدخل لإنقاذهم من عته وظلم حكوماتهم المتكالبة على السلطة بأي ثمن.
ليس من المحتم أن يكون التدخل عسكرياً، فلعلّ تدخلاً سياسياً حقيقياً وحاسماً قادر على أن يجد حلاً حقيقياً، ينقل البلاد إلى نظام مدني ديمقراطي يضمن العدالة والمساواة لكل مكونات الشعب السوري. حتى الآن لم يعط الغرب انطباعاً للنظام الحاكم في دمشق أنه جاد في إنهاء الأزمة وفي المساعدة في نقل السلطة إلى حكومة انتقالية تشرف على المرحلة الانتقالية. النظام يدرك هذا الأمر جيداً، لذلك نجده ماض في غيه لا يأبه لصوت العقل ومنشدة العقلاء من هذا الطرف أو ذاك. وقد رأيناه وهو يرمي بعرض الحائط الاقتراح العاقل للشيخ معاذ الخطيب الرئيس السابق للائتلاف ببدء حوار جدي شريطة أن يطلق سراح مئات الألوف من السوريين الذين يتعرضون للموت يومياً في سجون النظام.
ليس من المحتم أن يكون التدخل عسكرياً، إذن، ولكن في حال فشلت كل الجهود السياسية في إقناع السلطة السورية للدخول في مفاوضات جدية مع السوريين، فإن الحل العسكري يظل هو الوحيد القادر على ردع النظام.
في كتابه المهم “التدخل الإنساني والمسؤولية في الحماية،” يقول جيمس باتيسون إن تعبير المسؤولية يَفرِض أن يكون ثمة من هو مسؤول عن تطبيق الفكرة، ولا يمكن أن تظل الفكرة عائمة في الكتب. وهو يحاجج في أن المعاناة الإنسانية يمكن أن تكون مبرراً للتدخل العسكري، وأن مثل هذا التدخل هو “واجب وليس مجرد حق”، فهل من مستجيب؟
السبت 27/04/2013, المدن