هل نضجت شروط الحرب الأميركية في سورية؟ ـ غازي دحمان

مقالات 0 admin

ليس استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السوري هو السبب المباشر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية ترفع مستوى نبرتها التهديدية ضده، فإذا كانت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل قد كشفت الأمر مؤخراً، فإن واشنطن تعلم به من لحظة تجهيزه وإعداده للاستخدام وتحريكه، وليس في الأمر سر، فقد سبق أن صرح البنتاعون الأميركي أنه يعرف أين تحركت الأسلحة الكيماوية وأين جرى تخزينها.

الجديد في الأمر هو أن دائرة الحدث السوري جرى إقفالها على تطور شبه وحيد حتى اللحظة، وهو السير الحتمي باتجاه الحرب، ربما ليس غداً، لكن لم يعد هناك مفر منها. لم تترك روسيا وإيران سبيلاً لغير هذا الاحتمال. هجومهما الكاسح مؤخراً أصاب كل الأطراف بالذعر، والانتظار بات يعني تركهما تهندسان المنطقة على هواهما، والسكوت صار بمثابة انتظار الموت، كل طرف وفق وضعه وظروفه.

الضوء الأخضر أتى من إسرائيل أخيراً، فبعد أن رفضت هذه الأخيرة بشدة التدخل ضد نظام بشار الأسد، على اعتبار أن ما يحصل يشكل هدية مجانية لإزاحة سورية من معادلات القوة المستقبلية في الشرق الأوسط، اكتشفت قياداتها أنها بالغت في هذا التقدير الذي يستثني من حساباته المخاطر والسلبيات. تقدير ساذج يبنى على العواطف أكثر من الحسابات العقلية، لتجد إسرائيل بعدها أن سورية «تتحول بسرعة إلى ثقب أسود يمكن أن يمتصنا ويبقينا منشغلين لسنوات طويلة مقبلة»، وفق تصريح مسؤول إسرائيلي.

عملانياً، بتنا أمام اعتبارات كثيرة تتحكم بهذا المسار، منها: اكتمال بناء إدارة اوباما، مما يعني أنها باتت قادرة على تقدير موقف صحيح من الوضع في الأزمة وقدرتها على اتخاذ القرار وتنفيذه وخاصة في ظل وجود مناخ من الشك يخيم على أغلب المؤسسات الأميركية، من الدفاع إلى الخارجية والكونغرس، وحتى في البيت الأبيض نفسه من سياسة أوباما الانتظارية وجدواها.

ولعل ما يعزز هذا الاحتمال توجه الإدارة الأميركية إلى بناء وتجهيز البنية التحتية الأساسية للحرب في المنطقة، ومنها تأكيد جهوزية البنتاغون لمثل هذا الاحتمال، إذ هو أتم وضع خطط عسكرية تتراوح بين شن عمليات كوماندوس أميركية داخل الأراضي السورية للسيطرة على مخزون الأسلحة الكيماوية، إلى قصف الطائرات والمطارات العسكرية، وصولاً في وقت لاحق إلى إقامة منطقة حظر جوي قرب الحدود الأردنية.

يتزامن ذلك مع قيام واشنطن بتعزيز شبكة تحالفات واسعة مع دول الإقليم المعنية بالحدث مباشرة والتي قد تلعب أدواراً معينة في المرحلة القادمة، سبقها بعض الإجراءات التقنية الضرورية، مثل نصب صواريخ «باتريوت» في تركيا وإعادة بث الروح في التحالف التركي–الإسرائيلي، فضلاً عن تجهيز البيئة اللوجستية في الأردن لكي يكون قادراً على استيعاب القدرات الحربية اللازمة للمعركة.

لكن ما الذي أدى إلى مثل هذ ه النقلة في السياسة الأميركية، وما هو الأمر الذي أدى إلى رفع درجة الخطر في الأزمة السورية إلى هذا المقدار؟ لعل أهم الأسباب وراء ذلك يتمثل بوجود تحول في إدراك البيئة الداخلية للأزمة السورية، شكلت رافعة مهمة لهذه النقلة الأميركية، وقد لوحظت مسارعة أعضاء الكونغرس من الحزبين معاً إلى التأكيد على تغيير المعادلة في سورية، إذا تبين استخدام غاز الأعصاب، بل حتى الرأي العام يوحي بأن تغيراً في المزاج العام تجاه الحرب بدأ يظهر وفق العديد من استطلاعات الرأي.

إضافة الى ذلك، تكونت لدى الإدارة الأميركية رؤية دقيقة وتصور أكثر شمولية عن الحدث وطبيعته، فقد كان واضحاً حجم الانخراط الديبلوماسي الأميركي في الحدث السوري والذي استغرق أكثر من ثلاثة أرباع نشاط وزير الخارجية جون كيري، حتى أنه تمكن تسميته بوزير خارجية الأزمة السورية.

فضلاً عن ذلك، فإن أفق الأزمة بات أكثر وضوحاً بالنسبة إلى صانع القرار الأميركي، كما أن تكشف خريطتها بشكل نهائي سهّل قراءة مآلاتها وخاصة على الأمن الإقليمي، وربما الأهم من كل ذلك وصول واشنطن إلى قناعة بأن الأزمة السورية هي من نوع الأزمات المغلقة التي لا تنطوي على ممكنات كثيرة لإجراء صفقات، إن على المستوى الداخلي (بين النظام وخصومه) أو على المستويين الإقليمي والدولي مع روسيا وإيران، مع توضّح حقيقة أن ما تطرحه هذه الأطراف لا يعدو كونه إخراج أميركا من دائرة التأثير في هذه المنطقة، والمقابل لذلك عدم استمرار استنزافها كطرف جريح لم يشفَ بعد من تدخلات خارجية في أفغانستان والعراق.

لم يعد خافياً على أميركا وغيرها أن روسيا وإيران تسعيان إلى إعادة توزيع مناطق النفوذ، بما يتطلبه ذلك من إعادة صياغة خرائط المنطقة وإعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي ولو بالنار والحديد عبر الدعم المكثف لحليفهما في سورية وشراء الوقت لتنفيذ مخططاته واستثمار حالة التردد والحذر التي أبدتها واشنطن تجاه الأزمة وإستثمار مخاوفها من انفلات الأزمة إلى حدودها القصوى.

وليس غريباً والحال هذه، أن ما استدعى هذه النقلة الأميركية الغربية هو الاستنفار الروسي-الإيراني في سورية والذي تجاوز كل الخطوط الحمر، ليس باستخدام النظام الكيماوي الموضعي في أماكن متفرقة وإنما هذا الزخم من الهجوم لقمع الثورة السورية عبر أدوات إيران في المنطقة (حزب الله وميلشيات متعددة) لفرض أمر واقع على الأرض وإجبار واشنطن على التفاوض عليه والتكيف معه، ولعل ذلك ما أوحى للأميركيين بمحاولات تغيير قواعد اللعبة أو المس بالتفاهم الضمني مع روسيا باستمرار توازن القوى إلى حين التوافق على مخرج مناسب ومتفق عليه.

العمليات الجراحية التي تسعى كل من موسكو وطهران إلى إجرائها على جسد الشرق الأوسط لتثبيت مكانتهما على المستويين الإقليمي والدولي، وضعت المنطقة في قلب فوضى وأعادت خلط الأوراق بطريقة لم يعد بالإمكان إعادة ترتيبها إلا عبر حرب. ذلك أن العطل الذي أحدثته هاتان الدولتان في نسق النظام الإقليمي بات كبيراً، وما مساعيهما في احتواء مصر «الإخوانية» إلا محاولة لقلب رياح الربيع العربي في مصلحتهما، ما يعني بالمقابل زيادة الإرباك الأميركي في المنطقة وتثقيل عوامل خروجها بالنظر إلى أهمية مصر الجغرافية والسياسية في النظام العربي والشرق الأوسط عموماً.

الأكيد أن واشنطن استنفدت كل فرص المساومة في سورية وإمكاناتها. فرص الصراع الديبلوماسي انتهت بفشل ذريعِ، والمؤشرات تؤكد أن واشنطن بصدد تطوير خيارات أخرى للتعامل مع الأزمة السورية.

 1/5/2013- الحياة

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة