تهافت خطاب الدفاع عن المقدسات ـ حازم نهار

مقالات 0 admin

 لو أراد كل شخص في العالم الدفاع عن المقدسات التي تخصّه في سورية لاجتمعت كل شعوب الأرض في بلدنا. فسورية لم يأت إليها أحد عبر التاريخ إلا وترك فيها جزءاً من روحه، فضلاً عما هو خاص بأهلها الذين تنوعوا في أديانهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم، مشكلين لوحة فسيفسائية غنية تستحق أن تتحول إلى وطن عظيم.

هناك في سورية شيء يخصّ كل إنسان في العالم، لكن هذا لا يعني أن سورية ملك مشاع لكل أبناء الأرض. إنها ملك لأهلها فحسب. ومن هنا يأتي تهافت كل خطاب يدعو للدفاع عن المقدسات فيها. لكن يمكن وفقاً للقوانين الدولية، وفي إطار الشرعية القانونية وما توافقت عليه الأمم، الدفاع عن هذه المقدسات في حال الخطر أو الانتهاك. وهنا كان الأولى أن ترتفع الأصوات منذ البداية لحماية بشر سورية قبل مقدساتها.

خطاب الدفاع عن المقدسات هو خطاب ذرائعي يعطي المبرر للدخول إلى البلد خارج إطار كل الشرعيات القانونية والدولية. ليس بعيداً أن تعلن “إسرائيل” وفقاً لخطاب السيد نصر الله في لحظة ما أنها تريد الدفاع عن الكنيس اليهودي في جوبر أو عن حارة اليهود في باب توما بدمشق. أو يمكن أن يتحفز الروس للدفاع عن الأرثوذكسية ومقدساتها في سورية، أو يمكن أن يشد الغرب الرحال إلى بلادنا دفاعاً عن المقدسات المسيحية.

بل إن “إسرائيل” ذاتها بنت شرعيتها المزعومة بأرض فلسطين على أساس الدفاع عن مقدسات اليهود فيها. لقد جاء الصهاينة إلى فلسطين، وكانت المقدسات اليهودية فيها الحجة الكبرى لإقامة دولتهم وطرد أهلها. خطاب المقدسات يعترف ضمنياً بمبررات الصهاينة لوجودهم في فلسطين، ويقدم لهم ألف ذريعة لممارساتهم بحق أهلنا منذ قرن من الزمان وحتى الآن.

خطاب المقدسات يغطي دائماً المصالح والدوافع الحقيقية. جاء الأوربيون إلى بلادنا دفاعاً عن أماكنهم المقدسة، في الوقت الذي لم تكن فيه تلك الأماكن تعني شيئاً لأمرائهم وملوكهم. بل كانت المصالح أولاً وأخيراً. وكذا الأمر عندما زُرعت “إسرائيل” في المنطقة وغُلفت أفعالها بالشرعية الدينية. وخطاب نصرالله لا يبتعد عن لعبة المصالح، لكنها للأسف ليست مصالح تخصّ السوريين أو اللبنانيين.

لا يستطيع المرء إلا أن يتخيل أن حسن نصر الله في خطابه الأخير، إنما يحاول أن يغرس في عقول مستمعيه الأساطير المؤسِّسة للتدخل في سورية كذراع لمصالح الولي الفقيه. فقد أجهد نفسه لتصدير مبررات التدخل، متحدثاً عن أساطير الاضطهاد والتمييز والخوف على المقدسات، وعن المبررات والأطراف العاجزة عن حمايتها، ومروِّجاً لحقوق ينبغي الدفاع عنها. وهذا المنطق لا يختلف من حيث الجوهر عن “الأساطير المؤسسة للدولة اليهودية”.

كما يعرف السيد نصرالله، فقد دمرت مئات المآذن، وانتهكت حرمة المسجد العمري والمسجد الأموي في دمشق، ولاحقاً في حلب، ولم نعرف أن جفنه اهتز أو خرجت منه كلمة تدين هذا الفعل. هناك ثلاثة احتمالات: إما أنه يعلم من دمرها ولذلك لم يتحدث، وإما أنه سعيد بتدميرها، وإما أنها لا تعنيه بالمطلق. هل هناك احتمال غير هذه الاحتمالات؟ بالتأكيد لا، وكلها أسوأ من بعضها.

لم يهتز نصرالله عندما اقتحم أزلام النظام الجامع الأموي في دمشق وجرّوا المصلين في صحن الجامع ليحذِّر أصحابه في دمشق، كما لم يهتم عندما اقتحموا المسجد العمري وعاثوا فساداً بمحتوياته، ولم يحدث أيضاً أن اعترض عندما قصفت كنيسة أم الزنار. ولو فعل لوضع خطاً “أحمر” معنوياً في وجه النظام، ولحافظ على رصيده الرمزي عند السوريين، ولصدقوه في خطابه عن المقدسات. كانت الطريق مفتوحة ليكون نصرالله لاعباً إيجابياً مؤثراً في سورية، لكن هيهات، يبدو أن سحر الولي الفقيه أهم من سحر السوريين.

إذا لم يشعر رجل الدولة، أو من في حكمه، أن كل المقدسات متساوية القيمة، طالما هي مقدسة في عيون أهلها، وطالما أن البشر متساوون في القيمة الإنسانية والمواطنة، فإنه ينقلب ببساطة إلى مجرد كائن طائفي لا أكثر ولا أقل سواء قصد ذلك أم لا، أو إلى كائن يسعى إلى مصلحة ما مغطاة بغلاف مذهبي. آنذاك عليه ألا ينتظر من الآخرين تفهم خطابه المدافع عن المقدسات، لأنه ببساطة قد بخس المقدسات الأخرى قيمتها. نحن نقول العكس: تعنينا كل مقدسات العالم، فالجامع الأموي والسيدة زينب وكنيسة الصليب والكنيس اليهودي كلها تعنينا، ونعتقد أنها ينبغي أن تعني كل سوري.

المفرح في الأمر أن الصورة أصبحت واضحة، وتحطمت كل الأساطير والخرافات. حتى الأوهام التي علقت برؤوس الكثيرين حول بعض الشخوص. لا يوجد بشر مقدسون منزهون عن المصالح الضيقة، بمن فيهم رجال الدين من الأديان والمذاهب كافة، فهؤلاء بشر يخضعون للأهواء والمصالح والتوازنات. بالتالي لا يوجد بشر خارج إطار النقد.

خطاب المقدسات يخدم بوضوح أجندة إيرانية في المنطقة ولا يخدم الدفاع عن مقام السيدة زينب، كما لا يخدم بالتأكيد إيجاد حل للوضع في سورية، بل إنه يعقد الأمور ويزيد من تشابكها في كل من سورية ولبنان، ويصب على النار زيتاً. عندما لا تخدم “المقاومة” أجندة وطنية سورية أو أجندة لبنانية سيكون شخوصها وقتها ببساطة في عداد مرتكبي الجرائم. هناك جرائم لا حصر لها ارتكبت بحق الإنسانية بحجة الدفاع عن المقدسات، وهناك الكثير من القتلة في تاريخ البشرية استخدموا المقدسات غطاء لجرائمهم.

 زمان الوصل ـ 2013-05-04

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة