الجانب المظلم من الاستقلال في الطاقة ـ بنيامين آلتر وادوارد فيشمان *

مقالات 0 admin

فيما كان العالم يسجل أميركا في خانة القوى المتقلصة النفوذ، تجد الولايات المتحدة نفسها قريبة من تحقيق واحد من أهدافها التي سعت إليها طويلاً: الاستقلال في مجال الطاقة. جعلت موجة من التقنيات الجديدة من استخراج النفط والغاز من تشكيلات الصخور الزيتية أمراً ممكناً، وجاءت النتيجة مذهلة. ووفق بعض التقديرات، تسير الولايات المتحدة على طريق موازاة موقع المملكة العربية السعودية كأكبر منتج للنفط بحلول 2017، وستبدأ بتصدير النفط أكثر مما تستورده في 2025، وستحقق أول اكتفاء ذاتي كامل في الطاقة عام 2030.

حلم السياسيون الأميركيون من الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) بالاستقلال في مجال الطاقة- ليس لفوائده الاقتصادية فحسب، بل لأنه قادر على تحرير الولايات المتحدة من تقلبات العالم الخارجي. وقال الرئيس (باراك) أوباما في آذار (مارس) الماضي إن مصادر وتقنيات الطاقة الجديدة ستجعل أميركا «أقل ارتباطاً بما يجري في الشرق الأوسط». واعتبرت حملة (المرشح الجمهوري السابق إلى الانتخابات الرئاسية ميت) رومني أن الاستقلال في الطاقة سيعني أن «أمن البلاد الوطني لن يكون بعد الآن متصلاً بمناطق غنية بالنفط لكنها غير مستقرة وتبعد عنا مسافة نصف العالم».

لكن هذا محض خيال. وفيما سيزدهر الاقتصاد الأميركي ازدهاراً كبيراً بفضل الثورة في مجال الطاقة، لن يكون هناك أي مجال لتدير الولايات المتحدة ظهرها إلى العالم. علة ذلك أن المغامرة الأميركية في قطاع الطاقة ستؤدي إلى انخفاض عالمي في أسعارها، وتزعزع أسس الدول النفطية في كل أرجاء العالم. ووفقاً لرئيس بحوث السلع في «بنك أوف أميركا- ميريل لينش» فرنشيسكو بلانتش، ربما يهبط سعر برميل النفط إلى خمسين دولاراً في العامين المقبلين، ما قد يطلق حالة من الاضطراب في مناطق حيوية للمصالح الأميركية. وبعيداً من تخفف الولايات المتحدة من عبء القيادة العالمية، قد تُرغمها هذه العملية على أداء دور أكبر من الذي تؤديه.

وإذا كان من منطقة في العالم ترغب أميركا في تقليص انشغالها بها فهي الشرق الأوسط الغني بالنفط. بيد أن الاستقلال في موارد الطاقة لن يعني نهاية انخراط أميركا في شؤون المنطقة. بل على العكس، سيسفر انخفاض أسعار النفط عن تهديد لدول الخليج. ولا تشارك هذه الدول دائماً في حمل القيم الأميركية أو تساعد في تقدم مصالح الولايات المتحدة، لكن كل ما من شأنه أن يهدد استقرارها سينشئ مشكلات لن يكون في وسع واشنطن تجاهلها.

وقد يكون لانخفاض أسعار الطاقة خارج الشرق الأوسط الأثر السلبي ذاته على الاستقرار. فروسيا شقت طريقها بعيداً عن آلام مرحلة ما بعد الانهيار السوفياتي بفضل سلسلة من ارتفاع عائدات بيع النفط والغاز الطبيعي. واليوم، يكاد نصف المقاطعات الثلاث والثمانين الروسية، يعجز عن الحفاظ على توازنه المالي من دون المساعدة الفيديرالية التي يقدمها الرئيس فلاديمير بوتين بكرم بفضل أرباح النفط الضخمة. وأتاحت هذه الأموال للحكومة تحييد المعارضة السياسية، لكن الامتعاض ما زال في صعود على ما تدل التظاهرات المتفرقة التي تهز موسكو منذ 2011. بل أن انخفاضاً موقتاً في أسعار النفط قد يقيد قدرة بوتين في رشوة أعدائه. ويتوقع خبراء في «المدرسة الروسية للاقتصاد» أن ثروة البلاد النفطية، أي كمية البترودولارات التي يجري إنفاقها في أوقات الحاجة، ستختفي إذا انخفضت الأسعار إلى ستين دولاراً للبرميل لمدة سنة.

وإذا كان بوتين غير قادر على شراء الولاء، فربما يتحول إلى أساليب أشد دموية كتخويف الجيران ونشر نار القومية. وبوجود نزاعات حدودية ومنافسين يحيطون بروسيا منذ أجيال، لا يمكن استبعاد نزاع مشابه للحرب على جورجيا التي اندلعت في 2008.

على المدى الطويل، سترحب الولايات المتحدة حكماً باستجابة روسيا أماني شعبها أكثر من الخضوع لتقلبات أسواق الطاقة. وعلى واشنطن ألا تمتلكها أية أوهام عن إمكان حصول الانتقال إلى المرحلة انتقالاً سلساً، وعليها الاستعداد لوقوع الاضطرابات.

وسيجادل كثر بأن أميركا المستقلة في موارد الطاقة قادرة ببساطة على الانسحاب إلى الانعزال في حقبة الاضطرابات تلك. لكن انخراط أميركا وراء الحدود لم يكن يوماً من أجل تأمين الوصول إلى الطاقة فحسب. لقد استفادت الولايات المتحدة مثل أي بلد آخر، من التبادل الحر للسلع ومن سلامة الطرق البحرية وانتشار الديموقراطية واستقرار القوى الكبرى الذي ميز حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ما من عنصر من هذه العناصر يمكنه الاستمرار في غياب اليد الثابتة للقوة الأميركية. على واشنطن أن توضح أنها ستواصل مساندة هذا النظام العالمي، بصرف النظر عن حصتها من ثروات الطاقة ومواردها.

وفي وسع أميركا أن تبتهج للثورة في قطاع الطاقة. فستحمل هذه العجائب للاقتصاد الأميركي والسياسات الديموقراطية التي يمكن أن تتشجع في الشرق الأوسط، وروسيا قد تخدم المصالح الأميركية في نهاية المطاف. ولكن، في غضون ذلك، على واشنطن أن تتوقع عالماً أقل استقراراً بكثير من العالم الذي اعتادت عليه، وأن تستعد أيضاً لتبني سياسة خارجية اكثر اهتماماً بما يجري في العالم.

* كاتبان في «فورين أفيرز» الفصلية، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 27/4/2013، إعداد حسام عيتاني

 الحياة ـ ٨ مايو ٢٠١٣

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة