مسؤولية دول الجوار في تحييد الأسلحة الكيماوية ـ عبد الحميد سليمان *

مقالات 0 admin

«نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي وفي خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نهيئ الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح».

العبارات مُقتبسةٌ من مقدمة الميثاق الذي توافقت عليه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 26 حزيران (يونيو) ١٩٤٥. لقد كانت تلك المرة الأولى التي تعاملت فيها منظمة دولية من خلال ميثاقها مع موضوع حقوق الإنسان «كفرد لذاته»، بعد أن كانت حتى تاريخه أمراً يخص «ذلك الفرد ودولته دون غيرهم»، بهذا أصبح الفرد بذاته شخصاً من أشخاص القانون الدولي تُحمى حقوقه تجاه أنظمة الحكم في دولته. ما سبق بهذا المعنى واضحٌ لا يقبل التأويل، إذ يرفع الغطاء الذي تؤمنه السيادة الوطنية عن نظام الأسد، ويوقع بالتالي على حكومات العالم الحرة واجب أن تفرض احترام روح ميثاق الأمم المتحدة ولو بالقوة، وكنتيجة لذلك يحق للأمم المتحدة وأعضائها ولو فرادى أن تتخذ كل ما يلزم لحماية الشعب السوري، والذود عن السوريين كأفراد مما يتهدد حقوقهم الأساسية، كذلك يحق للسوريين أفراد وجماعات أن يلتمسوا من دول الإقليم، ومن المجتمع الدولي المساندة والدعم.

وبقدر ما يشكله الالتزام السابق من بداهة بدئية في القانون الدولي، فإن تطبيقه قد خضع باستمرار لموازين المصالح بين الأمم. وما سبق بهذا المعنى يطرح أسئلة حول الأدوار المحتملة لدول الجوار الإقليمي في ضوء التباطؤ الدولي عن تحييد الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري في الصراع الذي تدور رحاه منذ عامين، إذ تبدو لهذه الدول مصلحة حقيقية في إبقاء الصراع ضمن حدود معينة تحول دون تفاقمه إلى سويات قد لا تُحمد عقباها، فضلاً عن مصالحها الحيوية في منع انتقال هذه الأسلحة إلى «الأيادي الخطأ»، بمعنى انتقالها إلى جهات غير منضبطة بالحدود السورية، أو لها أجندات قد تتجاوز الصراع السوري، ما قد يتهدد أمن تلك الدول بالخاصة لقربها الجغرافي من ساحة الصراع. والأمر حين يتقاطع مع تهلهل النظام السوري ينبئ بكوارث إنسانية كبرى لا تتهدد السوريين فحسب، وإنما يمتد خطرها المحدق ليعم الجميع.

السوريون من ناحيتهم لهم مصلحة فعلية في تحييد هذه الأسلحة عن الصراع، لأنها تتهدد الحواضن الأهلية للثورة بالإبادة الشاملة. والأمر يحمل في طياته خطراً داهماً، إذ ليس لدى الطغمة الحاكمة روادع وطنية أو أخلاقية عن ارتكاب هذا الفعل الشائن، وهي قد أقدمت على استخدامٍ «موضع» لهذه الأسلحة في مناطق محددة من حلب كخان العسل، ومن حمص كالخالدية، ومن ريف دمـــشق كالعتيبة، على ما وثقته غير جهةٍ في العالم. وهذا الاستخدام الموضع مُرجحٌ له أن يتصاعد مع تفاقم الصراع، واقترابه بطبيعة الحال مـــن سويات قد تعدّها الطغمة الحاكمة وجوديةً أو تمس بقاءها، ثمة إذن تلاقٍ في المصلحة، أو حدٌّ أدنى منه على الأقل، بين السوريين ودول الجوار الإقليمي فيما قد يكون تدميراً استباقياً لمخزون الأسلحة الكيماوية الذي يحوزه النظام السوري.

ثمة أيضاً حوافز مضافة تصب في المنحى السابق، أولها السهولة أو الملاءمة اللوجستية القائمة بحكم القرب أو الجوار الجغرافي، الأمر الذي يخفّض التكلفة المترتبة عن القيام بطلعات جوية، قصف لأماكن تواجد تلك الأسلحة، أو حتى دخول لقوات مجوقلة عالية التدريب من هذه الدول إليها، إبطالها أو تدميرها، والخروج الآمن والانسحاب إلى أراضٍ صديقة، وثانيها عدم الحاجة إلى التنسيق مع قوات المعارضة السورية التي لم تبد حتى تاريخه تسلسلاً فاعلاً للقيادة، أو قدرةً يُعتمد عليها لناحية التنظيم، وهي بالتالي يمكنها أن تكتفي بالابتعاد عن الأماكن المحتملة لهذا التدخل الموضع.

إن تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بأعباء المسؤوليات الملقاة على عاتقه، يمثل فرصةً لدول الجوار الإقليمي بقدر ما يطرحه من مشكلة، إذ يفسح المجال أمامها للقيام بدور فاعل في المحافظة على مصالح شعوبها أولاً، ومساعدة السوريين ثانياً، ما قد يقود إلى تحسين المناخ العام في المنطقة، وتحديد الصراع السوري في سياقات محددة تبقى أفضل للجميع ضمن التوازن الحالي مما قد يحدث في حال تجاوزها.

* كاتب سوري

الحياة ـ ٨ مايو ٢٠١٣

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة