السفور كفعل مقاومة ـ دلال البزري

مقالات 0 admin

خلع الحجاب في مصر في مطلع القرن الماضي كان موجها ضد التقاليد والاستعمار، ولكنه كان معزّزاً بثقافة حداثية وثقة بالمستقبل. ثم حصل ما حصل في حزيران 1967، فكانت طليعة الردّة الدينية في العام الذي تلاه: ظهور السيدة العذراء في كنيسة الزيتون في شبرا، وتفسير “الأهرام” وقتها، وهي صحيفة الرئيس “القومية”، بان هذا الظهور انما هو من بشائر الدعم السماوي لمصر في حربها ضد اسرائيل.

من وقتها فتحت أبواب الجنة والنار، وعبّدت الطريق لتسلل الإسلام السياسي الى قلب ثقافة المجتمع؛ تسلل بطىء واثق، كان احد أهم تجلياته على الاطلاق، زحف حتمي للحجاب على رؤوس النساء. في نهايات هذا العهد، بعد الألفية الثانية، صار يستحيل مناقشة “شرعية” الحجاب من عدمه. الأمر لم يعد مبتوتا مختوما فحسب، بات أيضا ثقلا ضاغطاً من جهات ضعيفة عادة، مثل المجتمع، و”المدني” تحديداً، الذي توزع بين الدفاع عنه بصفته “حرية شخصية” و”حقوق إنسان” الخ، وبين عنف لفظي واجتماعي بل وجسدي ضد العاصيات عليه. وكل من تسألها عن سبب ارتدائها الحجاب تجيبك انه “فرض ديني من فروض الله”.

العام 2006 كان ذروة تلك الهيمنة المجترَعة ببطء. وقنبلتها الفنانة حنان الترك التي تحجبت ولم “تعتزل”. تلتها الفنانة هلا شيحا، ومن بعدهما شعرت نجمات الفن، وهن قدوة المجتمع، كما تمليه درجة “النظافة” التي بلغتها مع الاسلام السياسي، الأصلي منه والمزايد عليه. كان المناخ ضاغطاً على السافرات من أولئك النجمات، ضاغطا وخانقاً. ما ان تقف الواحدة منهن أمام الكاميرا، حتى ينهال السؤال عليها: “متى سوف ترتدين الحجاب؟”. الأفلح من بين الفنانات كانت تستبق السؤال، وربما تجرّه اليها، فقط لتقول انها “يوما ما…. سوف ترتدي الحجاب”. ومن بينهن الفنانة بسمة، التي أعلنت وقتها انها “ليست بعيدة عن ارتداء الحجاب”، فهو “ضرورة لا بد منها” الخ. والمعروف ان هذه الفنانة تزوجت بعد الثورة، عمرو حمزاوي، “الوجه” الليبرالي “المعروف” في الثورة وبرلمانها الجديد.

بعد الثورة، ايضاً، وبعد جهود التمكين الاخوانية وكل ما رافقها من استهداف للنساء، انقلبت الآية: لم يعد الحجاب رمزا مقاوما، ضد الاستبداد والعنصرية والامبريالية، ومع الله؛ صار شيئا فشيئا حميم الصلة بكل الافكار الصريحة التي لم يعد لا الاخوان ولا السلفيون يخجلون او يناورون للبوح بها: فعاد السفور الى وظائفه القديمة، بصفته فعلا من أفعال المقاومة ضد الطغيان، وهذه المرة الاسلام السياسي. إرهاصات هذه المقاومة متنوعة وهي ما زالت في بداياتها. انظر معنا الى الوقائع، واليك بعضها: الفنانات القدوات انفسهن، أولئك اللواتي كن تحت ضغط الاقرار بانهن “يوما ما” سوف يرتدينه، صرن طليقات في تصريحات نقيضة تماماً (يسرا “لا تفكر في ارتداء الحجاب”، آثار حكيم “أرفض ارتداء الحجاب”). مجموعات “سافرات” على الفايسبوك، في مصر وتونس وليبيا وكردستان وسوريا والكويت والعراق والسعودية، فضلا عن مجموعة “سافرات عربيات”. وجميعهن ينادين ويناقشن افكار العدل والمساواة بين الجنسين على ضوء عداء قوي للإسلاميين. حادثة المذيعة ريهام سعيد والمحتسب المعروف “الشيخ” يوسف البدري: يتناحر الاثنان على شاشة “الحياة”، ما يثير حنق المذيعة التي تخلع حجابها “لايف” احتجاجا على تعنت “الشيخ”. ثم تضيف الى هذا الشريط بعد ايام حوارها معه قبل بدء التصوير وهو يصر عليها ان تتحجب بعدما تكلم معها لمدة ثلاث ساعات وهي سافرة…! الحكايات التي سمعناها عن صحافيات خلعن الحجاب، وعن أخريات بدأن التحايل عليه في الاحياء، وهي حكايات مرشحة للتجميع…

ربما الوقت لم يحن بعد للقول اننا أمام ظاهرة… أو ربما هناك، كالعادة، أمور “أكثر مصيرية”… ولكن بالتأكيد لا عودة الى ما كان…

 الثلاثاء 07/05/2013, المدن

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة