لقاءات موسكو أعطت الأسد فرصة للمزيد من المجازر الوحشية! ـ صالح القلاب

مقالات 0 admin

لا جديد إطلاقا، ولقاءات واجتماعات موسكو الأخيرة كانت فاشلة فشلا ذريعا، وهي لم تحرز أي تقدم ولو بمقدار خطوة واحدة. فروسيا على لسان سيرغي لافروف جددت اعتبار المعارضة السورية مجرد مجموعات متطرفة وإرهابية، وكل هذا والموقف الأميركي، كما اتضح، لا يزال على ما هو عليه من الارتباك والميوعة، وتصريحات الرئيس باراك أوباما التي كانت تصل إلى العاصمة الروسية من وراء المحيطات والتي جدد القول فيها إنه لا يمكن أن يتخذ أي إجراءات فعلية من دون إثباتات، وعلى أساس مجرد «الانطباعات»، زادت الروس تمسكا بمواقفهم البائسة التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن من الانهيار والتردي.

وحتى بالنسبة للاتفاق على عقد مؤتمر دولي نهاية الشهر الحالي لمعالجة الأزمة السورية فإنه جاء من قبيل تجنب رفع الأيدي والاستسلام لليأس، ومن قبيل «الأخذ بخاطر الولايات المتحدة» وعدم إحراجها بإثبات أنها قد وصلت، وهي الدولة التي لا تزال تعتبر نفسها الدولة الأهم والقطب الأوحد في العالم كله، إلى هذا الهوان الذي وصلت إليه في عهد باراك أوباما في مرحلتيه الأولى والثانية.

ما الذي سيستجد من الآن وحتى نهاية الشهر الحالي حتى يعتبر المؤتمر الدولي الذي اتفق الروس والأميركيون على عقده لحل الأزمة السورية المتفاقمة خطوة هائلة وجبارة وتطورا نوعيا يمكن المراهنة عليه ما دام لافروف يواصل الإصرار على أن المعارضين السوريين عبارة عن مجموعات متطرفة وإرهابية، وما دام سيل الأسلحة الروسية يواصل تدفقه إلى نظام بشار الأسد، وأيضا ما دام هذا النظام يواصل ارتكاب أبشع المجازر التي عرفتها البشرية سواء في تاريخها القديم أو في تاريخها الحديث؟!

لم يتغير في الموقف الروسي أي شيء، فالروس يواصلون الإصرار، بالإضافة إلى اعتبار المعارضة السورية مجموعات متطرفة وإرهابية، على أن نظام بشار الأسد هو النظام الشرعي، وهم ما زالوا يتمسكون بأن مقررات مؤتمر جنيف الثاني، الذي اعتبر مرجعية لهذا المؤتمر الذي تقرر في اجتماعات موسكو الأخيرة عقده نهاية الشهر الحالي، لا تمس بالرئيس السوري حتى وإن كانت تتحدث عن مرحلة انتقالية، بل وهم – أي الروس – مستمرون في الإصرار على أن هذا الرئيس من حقه أن يترشح لولاية رئاسية جديدة في انتخابات العام المقبل 2014.

ثم وإن ما يبعث على العجب والتعجب أن الأميركيين يواصلون تحاشي الإشارة، ولو مجرد الإشارة، إلى أن الخلاف الرئيس بينهم وبين الروس هو بالدرجة الأولى على صلاحيات هذه الحكومة الانتقالية التي يجري الحديث عنها، فالروس كانوا قد قالوا، وهم ما زالوا يقولون وحتى في اجتماعات موسكو الأخيرة، إن مسؤولية الأمن والجيش يجب أن تبقى في يد بشار الأسد في هذه المرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها، وهذا في حقيقة الأمر يعني أنه لا جديد على الإطلاق، وأنه لم يُحرز في موسكو أي تقدم و«كأنك يا أبو زيد ما غزيت».

وبهذا فإن ما لا يستطيع الأميركيون ولا الروس إنكاره هو أن لقاءات موسكو قد فشلت فشلا ذريعا، وأن الإيحاء بغير ذلك كان من قبيل الدبلوماسية الناعمة وتحاشي إظهار الأميركيين وكأنهم تلقوا صفعة جديدة، وأن لافروف قد حقق انتصارا فعليا على وزير الخارجية الأميركي الذي ظهر أمام «غريمه» الروسي كمجرد تلميذ صغير أمام أستاذه المتعجرف الذي يملي عليه كل ما يريده ولا يملك هذا التلميذ إلا أن يطأطئ رأسه موافقا على كل شيء.

ثم وربما أن ما لم يدركه كيري، الذي جيء به إلى موقع صناعة السياسة الخارجية الأميركية في هذه المرحلة الخطرة على أساس أنه فريد عصره وأن الزمان لم يجد بمثله لا في السابق ولا في اللاحق، هو أنه قد تم اللجوء إلى التلاعب به وبعامل الوقت من أجل إعطاء بشار الأسد المزيد من الوقت لتغيير موازين القوى على الأرض ولارتكاب المزيد من الجرائم المروعة، على غرار مجازر منطقة بانياس الأخيرة، لرسم مستقبل سوريا على أساس الخريطة الطائفية التي يريدها والتي باتت واضحة كل الوضوح إلا لأعمى البصر والبصيرة.

لا يمكن أن يحدث أي شيء من الآن وحتى نهاية الشهر الحالي، حيث من المفترض أن ينعقد المؤتمر الدولي الذي تم الاتفاق عليه كنوع من تحاشي إعلان الفشل، سوى أن بشار الأسد سيواصل قتل الشعب السوري، وسوى أن الروس سيواصلون تزويده بالمزيد من الأسلحة الفتاكة والذخائر المدمرة، وسوى أن الموقف الأميركي سيزداد ميوعة، وسوى أن يبقى باراك أوباما يتخذ هذه المواقف البائسة تجاه أزمة لا يستطيع أي كان إنكار أنها أصبحت أزمة دولية على غرار ما كانت عليه الأمور في زمن صراع المعسكرات والحرب الباردة.

وكل هذا يجعل من المؤكد أن الأميركيين يعرفون، وأن رئيسهم باراك أوباما يعرف، وكذلك وزير خارجيتهم جون كيري، أن كل يوم من أيام مماطلاتهم هذه وأيام ميوعتهم غير المبررة وغير المفهومة، يكلف الشعب السوري المئات من القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والمسجونين ويكلف منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر منطقة مصالح حيوية أميركية، كل ما سيترتب على ما يحرزه الإيرانيون من تغلغل في سوريا وفي العراق وفي العديد من مناطق الخليج العربي وفي اليمن وأيضا في مصر «الإخوانية» التي ما يجعلها تنحاز كل هذا الانحياز إلى إيران أن الولايات المتحدة باتت تتصرف إزاء هذا كله وكأنها دولة مغلوب على أمرها ولا حول لها ولا قوة.

فهل الولايات المتحدة لا تعرف كل هذه الحقائق يا ترى، أم أنها تعرفها وتعرف أكثر وأخطر منها لكنها مع ذلك بقيت تصر كل هذا الإصرار العجيب والغريب على اتخاذ هذه المواقف المائعة وترك دولة بمكانة سوريا وأهميتها الإقليمية والدولية تمزق على هذا النحو وتذهب إلى كل هذه الفوضى بهذه الطريقة، بل وتقع في أيدي الروس والإيرانيين الذين بات من الثابت والمؤكد أنهم يتطلعون إلى ما هو أبعد من هذه المنطقة التي اعترف لافروف وكيري بأنها منطقة مصالح حيوية للروس وللأميركيين على حد سواء وبالمقدار ذاته؟!

وهنا فإن ما على الأميركيين فهمه هو أن الروس والإيرانيين ومعهم الصين وباقي دول ما يسمى مجموعة الـ«بريكس» ودول الاتحاد الأوروبي أيضا عندما يلمسون من باراك أوباما كل هذا التردد، وعندما يسمعونه يقول إنه لا يبني مواقفه على الانطباعات، والمقصود في هذا المجال هو ما يتعلق باستخدام نظام بشار الأسد «المفُرط» للأسلحة الكيماوية والغازات القاتلة، فإنهم يزدادون تسليما بالأمر الواقع، وأنهم وهذا ما حصل، سيتعايشون مع استخدام هذا النظام مع السلاح الكيماوي كما تعايشوا مع استخدامه للطيران والصواريخ الباليستية ضد الشعب السوري والمدن والقرى السورية.

9/5/2013 – الشرق الاوسط

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة