هل ستكون أوروبا حارس الشرق الأوسط من جديد؟ ـ إميل أمين *

مقالات 0 admin

مع الإستراتيجية الأميركية الجديدة التي تنسحب رويداً رويداً من منطقة الشرق الأوسط وبشكل جزئي، باتت علامة الاستفهام المطروحة على مائدة النقاش السياسي في كثير من المعاهد ومراكز الفكر المتخصصة: من سيصبح إذن شرطي الشرق الأوسط الذي سيحفظ التوازن الاستراتيجي لهذه المنطقة المهمة جداً للعالم؟

المثير أن التساؤل كان يحمل شبه إجابة وإشارة لأوروبا القارة التي وصفها بالعجوز وزير الدفاع الأميركي الأسبق في إدارة الرئيس الأسبق جورج بـــوش الابن، دونالد رامسفيلد، على أساس أنها ربما كانت هي بالفعل الشرطي القديم الذي استعيد دوره من بين أضابير التاريخ، ومن وسط ركام الماضي.

قضية شرطي الشرق الأوسط لفتت إليها، أول ما لفت، الأزمة الليبية، إذ لم نر تدخلا أميركياً واضحاً فجاً كما في الحالتين العراقية والأفغانية، بل رأينا دوراً لحلف الناتو لعبت فيه فرنسا وبمساعدة دول أوروبية أخرى دور حليفة رأس الحربة حتى سقوط نظام القذافي، ثم كانت أزمة التدخل الفرنسي أيضاً في مالي، وتحركات الاتحاد الأوروبي وتجاذباته وتعاطياته مع مصر، لا سيما على صعيد أزمتها الاقتصادية، عطفاً على الدور الألماني المزدوج في الشرق الأوسط، أي السياسي والاقتصادي من ناحية، والأمني والاستخباري من ناحية ثانية.

هذه جميعها تدفعنا الى شبه يقين بأن هناك توكيلاً أميركياً ولو موقتاً لأوروبا للعب دور شرطي المنطقة الملتهبة والأقرب جغرافياً وتاريخياً لأوروبا منها إلى الولايات المتحدة. لكنْ ربما، وإلى حين انتهاء واشنطن من مهمتها في شرق آسيا، وهي مهمة في كل الأحوال ستطول، هل ستكون أوروبا قادرة على ملء الفراغ ولو الجزئي الذي سيسببه الانسحاب الأميركي، وإلى أي حد يمكن لها أن تثبت جدارتها في هذا السياق؟

في أوائل آذار (مارس) الماضي كتب هارولد براون وزير الدفاع الأميركي الأسبق في عهد الرئيس جيمي كارتر، والذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأميركية عبر مشروع «بروجكت سنديكت»، مقالاً مهماً للغاية مما قاله فيه إن قسماً كبيراً من إفريقيا الشمالية، وبخاصة شمال خط الاستواء، ما زال يعاني العنف والقابلية للانفجار، ولم تسفر أمطار الربيع العربي عن إنتاج محصول جذاب من القادة والأعضاء، ناهيك عن حصاد من الديموقراطية، بل إن الفوضى وقطع الطرق والإرهاب من قبل الجماعات التابعة التنظيم القاعدة وجماعات أخرى طامحة استعرضت قوتها في حقول الغاز الجزائرية ومالي، قد تتطور إلى أكثر من مجرد إزعاج قاتل.

هل يفهم من حديث الوزير الأميركي أن الأمر بالنسبة لأوروبا ليس خيارا بل إجبار لجهة لعب دور الشرطي في المنطقة، وإلا فإن هذا الإزعاج القاتل سيصل إلى شواطئها وتاليا شوارعها وأزقتها؟

في ظل التراجع الواضح للدور الأميركي شرق أوسطيا، بسبب الاهتمامات بالصين وروسيا شرقاً، أو من جراء ضعف الأهمية الإستراتيجية للعالم العربي عند واشنطن التي ظهر لديها من النفط ما يتجاوز مئات أضعاف ما هو لدى العالم الشرق أوسطي برمته، بدا وكأن هناك حركة إحياء تاريخي للدور الأوروبي في الشرق الأوسط، تقودها فرنسا والمملكة المتحدة سياسياً وعسكرياً، واستعداد أوروبي لتحمل المسؤولية الرئيسية عن التعامل مع القضايا الأمنية في أفريقيا.

فأوروبا تعتمد على استيراد الطاقة من المغرب، ولديها مشروعات وخطط عملاقة للاستفادة من الطاقة الشمسية التي تزخر بها دول شمال إفريقيا.

أضف إلى ذلك أن الأوروبيين، وبالوكالة الأميركية، يعلمون علم اليقين أن الصين بوصفها القطب القادم المناؤي والمشاكس للولايات المتحدة، تبغي أول الأمر وآخره اختراق القارة السمراء، والسيطرة على ثرواتها الطبيعية، والصينيون بارعون في هذا السياق، ويبزون الأميركيين والأوروبيين لسبب بسيط وهو أنهم لا يشترطون تقديم مساعدات اقتصادية ضمن المنظومات الغربية المعتادة (ولو لفظياً فقط) مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير وحقوق الأقليات.

هناك كذلك ضمن المسوغات التي تجعل من أوروبا المرشح التالي لشرطي الشرق الأوسط، الروابط التاريخية وإن كانت صفحاتها غير ناصعة البياض. فعقود الاستعمار الأوروبي الطويلة جعلت من الأوروبيين وخاصة البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين (وهم من نراهم بالفعل على رقعة الشطرنج الآنية) الفاعلين الحقيقيين في ما يجري اليوم بسبب رؤيتهم التاريخية ومعرفتهم الإنسانية بشعوب تلك الدول وعاداتهم وأعراقهم واتجاهاتهم الحياتية، بل أوتار القوة والضعف التي يمكن العزف عليها بأفضل أداء براغماتي ليحقق الغرب الأوروبي الأميركي هيمنته المعتادة.

أما الداعي الأكثر إلحاحاً بالنسبة للأوروبيين، والدافع لهم للخوض في غمار حفظ الأمن هنا، فهو مخاوفهم من انتقال العنف والاضطرابات، أو ما يطلقون عليه أعمال الإرهاب، إلي قلب أوروبا.

فهل قدر العرب والشرق أوسطيين الانتقال من حراسة الأميركيين إلى الأميركيين من دون مقدرة حقيقية على القيام بما يتوجب القيام به دون الحاجة إلي الناطور الأجنبي؟

أنها إشكالية طرح القضايا التي تبدأ دائماً من الذات، وبعد مئة عام تحديداً من السعي العربي للدولة الحديثة نعود من جديد الى المربع الرقم واحد، حيث الشرطي العالمي الذي يقف على أبواب حارتنا التي آفتها النسيان، نسيان أخطاء الماضي وعدم التعلم من دروس التاريخ القريب والبعيد.

* كاتب مصري

الحياة ـ ١٥ مايو ٢٠١٣

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة