ايران: من تدخّل محدود الى انخراط كلّي في سوريا ـ فايز سارة

مقالات 0 admin

يسجل الدور الايراني في سوريا تحولاً جوهرياً في اللحظة الراهنة، وجوهر هذا التحول ذهاب ايران لتدخل عميق وواسع في سوريا بعد ان عاشت قبله مرحلتين، اولاهما تثبيت الوجود الايراني والتي امتدت على مدار العقود الثلاثة التي اعقبت الثورة الاسلامية عام 1979، والثاني دخولها على خط الازمة السورية بعد اندلاع حركة الاحتجاج والتظاهر مع بداية العام 2011، ثم انتقالها في المرحلة الحالية الى انخراط كلي في الشأن السوري، تصاعدت تعبيراته من الاشتراك المباشر في الازمة والقيام بمهام محددة في اطارها الى التقدم للعب مهمة القيادة الاستراتيجية في المستويين الداخلي والخارجي.

ويبدو هذا التحول في استراتيجية ايران السورية في شقه الاول من خلال تكثيف خطوات عملية واجرائية في المستويين السوري والاقليمي، بينما يتجسد الشق الثاني عبر رسم سياسات مستقبلية تتصل باحتمالات تطور الازمة في سوريا، والهدف في الحالتين تأكيد حماية النظام الحاكم في دمشق من السقوط في مواجهة ثورة الشعب السوري.

ان الاهم في الاجراءات العملية الداعمة للنظام تقديم دعم ومعونات سياسية- اعلامية وعسكرية واقتصادية، وقد تطورت هذه العمليات تبعا للاوضاع في سوريا ومحيطها الاقليمي. فمنذ بداية الازمة، اعلنت طهران التزامها الدفاع عن النظام وحمايته وتبرير سياساته وممارساته الدموية، وهو أمر بدا جوهري في علاقاتها السياسية الدولية بالمجالات والمستويات كافة، وتأكد ذلك النهج في مسار ومضمون الآلة الاعلامية الايرانية والاعلام الذي يسير في فلكها ومنه منابر ومحطات في الاعلام المكتوب والمسموع والمرئي عبر المنطقة ولاسيما في لبنان، وتم ذلك بالتوازي مع دعم عسكري تقني واسع، شمل الاسلحة والذخيرة والمعدات، الى جانب تقديم الخبراء في مجالات كافة، وهو أمر كشفت عنه عملية اعتقال عشرات الضباط الايرانيين ممن أسرهم الجيش الحر، وتمت مبادلتهم بسوريين يعتقلهم النظام، وقد اضافت طهران الى تدخلها السابق، ان دفعت ميليشيات موالية لها في العراق ولبنان منهم حزب الله الى ارسال مقاتلين للوقوف الى جانب قوات النظام ضد تنظيمات الثورة السورية المسلحة من الجيش الحر وخاصة على جبهة حمص – القصير وسط سوريا وفي دمشق ومحيطها قرب المقامات “الشيعية” ومنها حول مقام السيدة زينب جنوب شرق دمشق، وبالتأكيد فان مساهمة المليشيات في هذا الجانب، شملت خبرات ومعدات وخاصة، تم تقديمها الى النظام الحاكم في دمشق لكسب معركته مع معارضيه وقوات الجيش الحر.

ولا تقل عما سبق أهمية، مجموعة المساعدات “الاقتصادية” التي قدمتها طهران للنظام في الفترة الماضية. ولتقدير أهمية تلك المساعدات، يمكن التذكير بحجم الكارثة التي صارت اليها سوريا في الست وعشرين شهراً الماضية، والتي من نتائجها، تدمير معظم البنى الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وقد أصابت سياسة القتل والتدمير، التي مورست في الفترة السابقة معظم السوريين، ان لم نقل كلهم، فقتل واختفى وجرح واعتقل، قرابة مليون سوري، وهناك اكثر من سبعة ملايين سوري مهجر في داخل البلاد ولاجئين خارجها، ويزيد عدد اللاجئين عن ثلاثة ملايين سوري. وقد تعطلت وتوقفت بصورة شبه كلية كل الانشطة الاقتصادية في الزراعة والصناعة وتقلصت عمليات التجارة الداخلية والخارجية، وصرف النظام لتوفير مقومات حربه على الشعب كل المدخرات الوطنية، وبالمحصلة وفي ظل نهم وجنون الحرب، تقدمت ايران لمساعدة النظام بكل شيء من القمح والدقيق الى السلع الضرورية والاستعمالية، اضافة الى تمويل صفقات شراء الاسلحة والمعدات ومنها أسلحة ومعدات من روسيا وكوريا الشمالية، والبلدين من أبرز الشركاء العسكريين لكل من طهران ودمشق.

ورغم ان ما تقدم لايكشف كل الدور الايراني في سوريا، فان دورا على هذا المستوى من العلاقة بالازمة ومن التدخل في الشأن السوري، أعطى طهران قدرة أكبر لتدخلات لتأثير واسع على واقع وتطورات الوضع السوري بمجمله وفي علاقاته، ومن هنا يمكن فهم التصريح الذي أطلقه أحد أهم اركان النظام الديني هناك بان سوريا، هي ولاية ايرانية، وكذلك فهم تصريحات وتحركات اركان السلطة من مرشد الثورة علي خامنئي الى رئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد ووزير خارجيته علي أكبر صالحى وغيرهم كثير من أكدوا وقوف ايران الى جانب بقاء النظام ورأس النظام، لكن الاهم من هذه التصريحات، كان بناء استراتيجية تدخل ايراني في الوضع السوري وامتداداته الداخلية الخارجية، تقوم على مرتكزات، الابرز فيها استمرار ايران بتقديم كل الدعم الممكن للابقاء على النظام في السلطة، وتعزيز فرص التحالف القائم بين ايران والعراق وسوريا وحزب الله، والعمل على تخفيف التأييد الدولي للثورة السورية، واللعب في موضوع كسب الوقت للنظام على امل هزيمته للشعب، ودفعه الى تسوية تحقق بقاء النظام واستمراره على ان يتم في الوقت ذاته، التخفيف قدر الامكان من الكلام على ارتكابات النظام الحاكم في دمشق، بل تجاوزها، عبر خلق بديل يخطف الاضواء ومحاولة جعل اسرائيل تقوم بتلك المهمة من خلال تسخين جبهة الجولان معها، وفتح خط البحهة لعمليات “المقاومة” ولاسيما حزب الله اللبناني، ما سيدفع بالاحداث السورية الداخلية الى الخلف، مقابل تقدم اسرائيل الى الواجهة، ويجعل نظام دمشق وممارساته تذهب الى الظل، ويمكن للتحول السابق، ان يتزامن مع ضغط على الدول التي تناصر النظام وتتعاطف مع ثورة السوريين وبينها الاردن وتركيا وقطر لاحداث تبدل في سياساتها ومواقفها، ثم الذهاب الايراني نحو تطوير علاقات الى الافضل مع دول عربية بينها مصر والمملكة العربية السعودية، بل السعي الى ضم الاردن الى المحور الإيراني – السوري العراقي.

ان ملامح الاستراتيجية الايرانية حيال سوريا، كما تبدو من طهران تفسر المسارات الدبلوماسية التي يقوم بها الايرانيون مع دول المنطقة، حيث ضغوط في منطقة الخليج ومع الاردن، ومحاولات تسوية وتفاهم مع دول اخرى كما هو الحال مع تركيا والمملكة العربية السعودية، وتودد وسعي للانفتاح وتحسين العلاقات كما هو الحال مع مصر. ورغم أن الامر قد لا يتعلق بالوضع السوري مباشرة، فلاشك ان الاخير ملموس ومحسوس في التحركات الدبلوماسية الايرانية وما يرافقها من صخب اعلامي، يؤكد ان الهم الاكبر لايران هو تعزيز بنية اقليمية حاضنة، لاتدعم موقف ايران من سوريا فقط وانما من قضايا مهمة في استراتيجية ايران الاقليمية ومنها الملف النووي، وأمن الشرق الاوسط، والسيطرة في الخليج، ولنظام سوريا كما يراه النظام حضور مهم في تلك الاستراتيجية، وهو لايمثل هدفاً فيها فقط.

18/5/2013- المستقبل

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة