استراتيجية توسيع نطاق العنف ـ دانيال نيسمان

مقالات 0 admin

بعد مضي عامين من العنف المتزايد على طول حدودها مع سوريا، سيكون من حق تركيا الدخول في حرب مع نظام الأسد. وفي يوم 11 مايو (أيار)، ألقى مسؤولون رفيعو المستوى في أنقرة باللوم في إحدى أسوأ الهجمات الإرهابية في تاريخ بلدهم بشكل عادل على دمشق. مثلت تفجيرات السيارات المفخخة التي أودت بحياة أكثر من 50 شخصا في مدينة الريحانية الهجوم الثاني من بين تلك الهجمات التي وقعت بالقرب من الحدود وسبقتها عدة حوادث قصف عبر الحدود، والإسقاط المزعوم لطائرة حربية تركية في يونيو (حزيران) الماضي، وأزمة لاجئين غير مسبوقة في الأراضي التركية.

وليس اتساع نطاق العنف وتدفق اللاجئين مجرد تأثير جانبي للنزاع السوري، إنه مكون رئيس في استراتيجية نظام الأسد الرامية لمنع دول الجوار من التدخل في قمعه الوحشي للثوار.

كانت تفجيرات الريحانية نوعا من استعراض العضلات من جانب جيش بشار الأسد، الذي يدعمه مجموعة منتشرة بأنحاء المنطقة من الأذرع المحلية التي يتجاوز نفوذها نفوذ الجيش السوري. وقد ألقت إدارة أردوغان اللوم على إحدى تلك الأذرع، وهو حزب «جبهة التحرير الشعبية التركية» اليساري، في وقوع هجمات 11 مايو، بعد إلقاء القبض على عدد من المواطنين الأتراك الذين تربطهم صلات بالحزب. فضلا عن ذلك، فقد ربطت أنقرة بين قائد الحزب معراج أورال ومقتل 62 مدنيا سنيا في المنطقة الساحلية بسوريا في وقت سابق من هذا الشهر. وبصرف النظر عما إذا كانت تفجيرات الريحانية قد وقعت بناء على أمر مباشر من دمشق أم لا، فإن فاعليتها في إثناء تركيا عن التدخل في شأن سوريا هائلة.

اندلعت العديد من الاحتجاجات منذ ذلك الحين في مدن تركية، ألقى فيها متظاهرون اللوم على دعم أنقرة للثوار السوريين بوصفه محفزا للهجمات. في الوقت نفسه، تصاعد العداء تجاه مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في المناطق الجنوبية متعددة الأعراق.

يهدف صدى تفجيرات الريحانية بلا شك إلى الوصول لإسرائيل والأردن، مما أجبر حكومتيهما على إعادة النظر في اختراق نطاق سيطرة الأسد بشكل أكثر عمقا. ومع عزوف تركيا عن المزيد من المشاركة وسعي لبنان للبقاء على الحياد، أصبحت إسرائيل والأردن لاعبين رئيسين في النزاع السوري.. فالأردن يعمل كمركز لتلقي الأسلحة من دول الخليج العربي وتعتبر عامل تمكين رئيسا في حملة الثوار لإنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا. في الوقت نفسه، في يوم 5 مايو، اخترقت الطائرات الحربية الإسرائيلية معقل نظام الأسد على جبل قزوين في دمشق، ودمرت صواريخ كانت موجهة لحزب الله وقتلت العشرات من قوات الحرس الجمهوري النخبة. وقد هدد نظام الأسد بشن هجمات انتقامية ضد إسرائيل عبر شبكته من الحلفاء والأذرع الداعمة. وتعهد كل من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة»، التي تتخذ من دمشق مقرا لها، وحزب الله الأكثر إثارة للخوف، بالانتقال بالقتال ضد إسرائيل إلى منطقة هضبة الجولان التي ظلت ساكنة لفترة طويلة. كما أشارت وسائل الإعلام اللبنانية أخيرا إلى أن حزب الله نشر 40 من عناصره بهضبة الجولان للإعداد لهجوم مستقبلي. ويهيئ الموقف في هضبة الجولان ظروفا مثالية لشن هجوم إرهابي. ومن شأن وجود عدة جماعات مسلحة، جنبا إلى جنب مع تزايد غياب الجيش السوري، أن يصعب أي محاولة لنسب المسؤولية عن أي هجوم. وهذا يصعب بدرجة أكبر من جهود إسرائيل لإضفاء الشرعية على أي هجوم لاحق ضد مواقع حزب الله في لبنان أو على نظام الأسد.

من شأن موجة من الهجمات من هضبة الجولان ألا تترك لإسرائيل أي خيار آخر بخلاف اقتحام الأراضي السورية وإنشاء حاجز بين مواطنيها والعديد من الثوار المنتمين لعناصر جهادية وأذرع الأسد على الجانب الآخر. وبالرجوع إلى عام 2012، ظهرت تقارير تفيد بأنه قد تم وضع خطط في طهران لجر الجيش الإسرائيلي إلى غزو يستنفد مواردها في حالة سقوط الأسد. ومع كون غزو الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان منذ 18 عاما ما زال حيا في العقلية الجمعية الإسرائيلية، فليس من قبيل المصادفة أن تسعى إدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى وقف تزايد حدة التوترات مع نظام الأسد في أعقاب الغارات الجوية على دمشق.

تم إرسال رسائل بطرق غير معلنة تؤكد أن إسرائيل ستبقى خارج النزاع السوري، ما دامت قد توقفت عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله.

في الوقت نفسه، أجبر الثوار في جنوب سوريا على الخروج من المدن التي جرى الاستيلاء عليها على طول الطريق السريع الاستراتيجي بين دمشق وعمان، زعما أن الأسلحة المتوقع وصولها من الأردن لم تصل مطلقا. لقد أنهك تدفق اللاجئين اقتصاد الأردن، على نحو أجبر الملك عبد الله الثاني على إحكام السيطرة على منطقة الحدود، مع الإصرار على حل سياسي «يمنع انقسام أو انهيار سوريا». ومنذ بدء النزاع، حذر الأسد من أن انهيار نظامه من شأنه أن يغرق الشرق الأوسط في حالة من الفوضى، ملمحا بصورة تشاؤمية إلى تزايد عدد المتطرفين الإسلاميين. وهؤلاء هم المتطرفون أنفسهم الذين سمح لهم الأسد بدخول العراق لشن هجمات طائفية إبان الغزو الأميركي، وهم أنفسهم الذين ازداد نفوذهم داخل سوريا. وإذا كانت شبكة الأسد من المقاتلين بالوكالة تعتبر مؤشرا، فإن نظامه ليس مدافعا عن الاستقرار الإقليمي، ولكنه المعرقل الأساسي له. وعلى الرغم من استنفاد قوة جيشه وعزلته الدبلوماسية شبه الكاملة، فإن الأسد لا يزال متشبثا بالسلطة بالاستئساد على دول جواره وحلفائهم بدلا من اتخاذ إجراء حاسم من شأنه أن يضع نهاية للنزاع المستمر. وكلما سارع المجتمع الدولي بمواجهة هذه الاستراتيجية التي تتخذ طابع «المافيا»، عاد الاستقرار سريعا إلى شرق البحر المتوسط.

* مدير الاستخبارات بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «ماكس سيكيوريتي سولوشنز»، وهي شركة الاستشارات الخاصة بالمخاطر الجيوسياسية والأمنية

19/5/2013 – الشرق الأوسط

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة