سورية وأزمات العالم ـ غازي دحمان

مقالات 0 admin

 لا تفيد كثيراً عملية العودة إلى تمحيص بنود بيان جنيف الأول، أو البحث عن الفوارق التي يحملها الثاني، كما لا يمكن أي عقلية مهما كانت خبيرة بنصوص الاتفاقيات اجتراح المعجزات واستيلاد مقاربة صالحة للحل من هذا النص المربك والمعقد.

نص يفيض بالأزمة من متنه وهوامشه، وثمة أعطال في آليات التنفيذ تجعل إمكانية تحريك العملية أمراً مستحيلاً، وثمة لبس في الضمانات والالتزامات ومآلات الاتفاق وما سينتج منه، وثمة إشكاليات وعلامات استفهام حول طبيعة الأشخاص والجهات التي سيوكل إليها التنفيذ. والخلاصة أن هذا النص بذاته يشكل أزمة في المفاهيم التي يتأسس عليها.

ليس غريباً ان تتلاقى كل شروط الأزمة في نص دولي، بل تتضافر لإنتاج سياق موازٍ يفوق في تعقيداته وقائع الأزمة المعاشة على الأرض، على رغم هولها، ما دام «النص» هو نتاج أزمة أكثر تعقيداً. ذلك أن الحالة السورية لم تعد تسبب الأزمات الدولية، بل الأزمات الدولية ذاتها باتت المغذي الأكبر لكتلة التعقيدات التي تعيشها أزمة سورية.

لم يعد خافياً عن الأنظار أن العالم، وبعكس مراحل كثيرة سابقة، يعيش تحت وطأة أزمة تراتبية القوة الدولية. فإذ تحسب مجموعة من الدول عناصر قوتها، لا تستطيع ترجمة ذلك من ناحية الفاعلية والتأثير والحضور، فتنصرف ردود فعلها على هذه الحالة بتجريب قدرتها في التعطيل والتخريب، أي إثبات أهليتها في الجوانب السلبية والمؤذية، مثال ذلك روسيا والصين ودول البريكس عموماً. وثمة دول تبدو انها فقدت كثيراً من عناصر القوة لديها، لكن حاجة العالم اليها وعدم وجود بدائل ناجزة يبقيانها موجودة على خط الفعل، ولكن بفاعلية أقل لا تؤهلها لإنجاز فعل إيجابي، والمثال الأكثر سطوعاً الولايات المتحدة.

بالتزامن مع ذلك، يعيش العالم في قلب أزمة اقتصادية مالية تهز كل أركانه، وتتجاوز المراكز الرأسمالية التقليدية. حتى الصين تقع في قلبها وتتلقى تداعياتها.

لكنْ، لماذا ظهرت هذه الأزمات كلها على هامش الحدث السوري دون غيره؟ لعل الإجابة المتوافرة والسهلة حتى اللحظة تلك التي تذهب إلى أن الحدث السوري بمواصفاته وقماشته وتركيبته، جاذب لكل أنماط التناقضات العالمية. وليس معنى ذلك أن حل الأزمة السورية مرهون بتفكيك شبكة الأزمات المذكورة، ولا بإيجاد توافقات حول بعضها بعضاً، وإنما المقصود بحث العالم نفسه عن طريقة يستطيع أن يتعايش معها كأزمة مفتوحة ومديدة، ربما كالأزمة الكورية طوال عقود عدة من القرن العشرين.

فقد نصل الى جنيف 3 وجنيف 4، بانتظار أن يتخطى العالم أزمته الحقيقية، والتي لا يجسدها هنا شخص بشار الأسد ولا «جبهة النصرة»، بقدر ما تمثلها حاجة العالم نفسه إلى ميدان يتصارع فيه قانونياً وأخلاقياً وسياسياً، إلى حين الثبات على هوية جديدة وتوصيف آخر. وإلى ذلك الحين، ليس أمام الصراع السوري سوى إكمال دورته وإخراج كل ممكناته ومكامنه.

21/5/2013 – الحياة

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة