في تحولات المعارضة السورية ـ مصطفى زين

مقالات 0 admin

ينعى ميشال كيلو الثورة السورية في مقال تحت عنوان «فوضى قاتلة» («السفير» 18 أيار/ مايو). وكلمة ينعى لا تتوافق تماماً مع المكتوب لأن النعي يحمل في طياته دائماً عبارات المديح والأسف ويختتم بطلب الرحمة للفقيد. لم يترك النص صفة سيئة لم يلحقها بقادة «الثورة» السياسيين والعسكريين فبعضهم «على قدر استثنائي من الأنانية والجهل».

إلى الجهل «الإستثنائي» يتهم كيلو هؤلاء القادة بـ «الجلوس على كراسيهم لإدارة عمليات القتل المنظم بإحكام لا رجعة عنه». ويتابع أن «الرؤوس فاسدة، لعب فسادها دوراً خطيراً في إفساد الجسد». ويتساءل: «أية شرعية تبقى لإئتلاف يخون أعضاؤه الشيخ معاذ الخطيب. ويتبادل أمينه العام والثائر الذي لم أذكر اسمه في اجتماع رسمي حديثاً يقول فيه الأول للثاني: أسكت وإلا فضحتك وكشفت فسادك ومقبوضاتك وحقيقة مواقفك، فيرد الثاني: وإذا لم تسكت أنت كشفت المستور وهتكت الأسرار وبينت ارتباطاتك». يستغرب كيلو أن تمر هذه الإتهامات من دون أن يطلب أحد فتح تحقيق في الأمر: «أليس هذا منتهى الفساد؟».

لو أن أحداً من خارج المعارضة كتب ما كتب كيلو لاتهم مباشرة بأنه عميل للنظام السوري، وبأنه طابور خامس مكلف التشويش على الإئتلاف وتلطيخ نقائه الثوري. لكن الكاتب معروف بمعارضته للنظام قبل الأحداث وبعدها وهو أحد رموز ربيع دمشق ويفترض أن ما قاله كان بسبب حرصه على المعارضة.

لا أحد ينكر أو ينفي الدعم الكبير الذي تتلقاه المعارضة السورية، مسلحة كانت أم سياسية – ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أن دولة واحدة قدمت لها ثلاثة بلايين دولار مساعدات خلال سنتين – لكن أن يصل الأمر بمكونات هذه المعارضة إلى تبادل الإتهامات بالفساد والخيانة والتهديد بـ «فضح المستور»، ولا يتحرك أحد للمحاسبة أو الإحتجاج، عدا المقال المذكور، فالمسألة تحتاج إلى التوقف عندها، فالشعب السوري الذي انتفض ضد الفساد والمحسوبية يدفع الثمن من دمائه مرتين، مرة في مواجهة استبداد النظام وأخرى بسبب تهور المعارضة.

لا شيء يفسد ثورة الفقراء مثل المال. ولا شيء يبعدها عن أهدافها مثل التبعية للداعمين، خصوصاً إذا تعددت سياسات هؤلاء ولم يكن لقادة الثورة برنامج واضح بناء عليه يحصلون على الدعم. برنامج يشمل كل نواحي الحياة، من الإقتصاد إلى السياسة إلى شكل النظام إلى العلاقات الداخلية والخارجية إلى الموقف من الدول الداعمة نفسها وغير الداعمة. وربما كانت التجربتان الفلسطينية واللبنانية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي خير مثال (أبو نضال وعلاقته بالعراق وكارلوس وعلاقته بالقذافي مثال ساطع). والمعارضة العراقية السابقة التي تتولى الحكم في بغداد مثال آخر.

الإئتلاف السوري المعارض مجموعة تكتلات وأحزاب وشخصيات سياسية، بعضها نشأ خلال الحراك، وبعضها قديم في العمل مثل «الإخوان المسلمين». ومن الطبيعي أن يكون لكل طرف طموحاته السياسية. ولكن المسألة في كيفية التحالف لتحقيق هذه الطموحات وفي الإتفاق على خطة واحدة. في البداية طالب «المجلس الوطني السوري»، بعد تأسيسه في اسطنبول، بتدخل عسكري أطلسي – عربي، على غرار ما حصل في ليبيا، وبقي مصراً على مطلبه أكثر من سنة. وعندما رأى أن تلبية طلبه شبه مستحيلة، وأعلنت الولايات المتحدة «انتهاء صلاحياته»، على ما قالت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، رضخ للأمر والتحق بالإئتلاف، وغيّر خطته إلى المطالبة بمنطقة عازلة تخضع لحكومة على «الأرض المحررة» لتكون نقطة انطلاق «لتحرير» ما بقي و «طرد آل الأسد من البلاد». وعندما تعذر ذلك بسبب الموقف الأوروبي والأميركي، وبسبب المخاوف التركية استبدل هذا الهدف بطلب مساعدات عسكرية تكفل للمسلحين مواجهة الجيش النظامي، أي تزويدهم صواريخ مضادة للطائرات والدبابات ومدافع بعيدة المدى. وما زال هذا الطلب قائماً، لكن دون ذلك صعوبات كثيرة أهمها توحيد المعارضة السياسية والعسكرية وتنقية صفوفها من «المتشددين». وقد عاد الإئتلاف عن اعتراضه على وضع الولايات المتحدة «جبهة النصرة» على لائحة الإرهاب. والمؤشرات كثيرة إلى تخليه عن مطلب رحيل الأسد شرطاً لحضور مؤتمر «جنيف – 2».

تراجع المعارضة السورية عن مواقفها المتشددة يعكس تراجع الدول التي تدعمها، كما يعكس ترهل بنيتها وعدم وضوح رؤيتها.

قد يكون نعي ميشال كيلو للإئتلاف مبكراً. ولكن الأكيد أنه يخضع لتغييرات كثيرة لتلبية مطالب «الدول الصديقة».

من يريد معرفة موقف المعارضة السورية عليه أن يسأل الداعمين وليس جورج صبرا ولا هيثم المالح ولا «الإخوان»، ولا هيتو.

 25/5/2013 – الحياة

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة