سوريا: حروبٌ في حربٍ ـ عبد الله بن بجاد العتيبي

مقالات 0 admin

قدر سوريا وشعبها أن تكون نقطة التقاء لحروب دولية وإقليمية تعيد ترتيب أدوارها ورعاية مصالحها ونقاط التماس بينها على حساب هذا الشعب ومستقبله ودولته، مع حرب يقودها النظام ضد شعبه.

إنها في الواقع عدة حروب في حرب، منها الحرب العالمية الباردة الجديدة التي سبق الحديث عنها في هذه المساحة، وهي حسب الأنباء المتضاربة الواردة من عواصم العالم تبدو حربا طويلة لن تنتهي قريبا، وكل ما يجري من مؤتمرات وترتيبات هي مجرد مماطلات لكسب مزيد من الوقت لكل طرف بحسب مصالحه؛ فروسيا الاتحادية تبدو في أوج صعودها كمحور عالمي جديد لا تألو على شيء في سبيل هذا الطموح الكبير وهي قد جربت الولايات المتحدة والدول الغربية منذ بدء الأزمة السورية وكانت تطور موقفها تدريجيا كلما آنست ضعفا في مواجهة سياساتها من قبل أميركا حتى وصل الحال إلى ما يشبه انسداد الأفق الدبلوماسي.

الحرب الأخرى هي حرب إيران الإقليمية الباردة والتي تحولت مع الأزمة السورية إلى حرب ساخنة ومكشوفة ودموية، يتحرك فيها كل حلفائها وأذيالها في المنطقة حسب خطة مرسومة في طهران وقرار مركزي هناك، وهي أثبتت أنها ستحمي مصالحها في سوريا حتى آخر قطرة دم سورية ما لم تجد لها رادعا من المواقف الدولية والإقليمية، ومعركتها في سوريا تدار من طهران ويجري تمويلها من حكومة المالكي في العراق التي تدير اقتصادا ينتعش ويحصل على عائدات نفطية مجزية، ويخوضها جنود حزب الله الطائفيون المدربون على القتل.

معركة القصير ليست هي المعركة التي فضحت طائفية الحزب وتعطشه للقتال الطائفي، فهذا أمر كان واضحا منذ دخوله المسلح لبيروت قبل أعوام، بل ومن قبل ذلك في كل خطبه وسياساته، ولكن غشاوة الشعارات بدأت تتمزق شيئا فشيئا عن عيون بعض المفتونين العرب به كممثل للمقاومة والممانعة حتى وصل الأمر إلى اضطراره تحت الأمر الإيراني إلى خلع ربقة الحياء من عنقه والتخلي عن ألاعيب السياسة والإسفار عن الوجه الطائفي الصريح.

الحرب الثالثة هي الحرب الداخلية التي يقودها نظام الأسد ضد شعبه، والتي يقابلها الجيش السوري الحرّ بطاقات بسيطة وقدرات متواضعة، وهو أثبت أنه قادر على الصمود في وجه قوات النظام العاتية لما يقارب السنتين، وهو في معركة القصير أثبت قدرة فريدة في التصدي للأعداء الأربعة مجتمعين، روسيا بأسلحتها، وإيران بخبرائها، والنظام بعتاده، وحزب الله بجنوده.

هذا بالنسبة لأعداء الشعب السوري، وبالمقابل، فإن أصدقاءه وعلى الرغم من الوهن الذي تتحرك من خلاله السياسة الأميركية تجاه سوريا فإن العواصم الغربية الأخرى كلندن وباريس آخذة في التقدم والسعي للدفع بالقرار الأميركي تجاه موقف يكون أكثر حسما وحزما ولعلها تثمر شيئا مع رئيس كباراك أوباما!

وفي المنطقة فإن ثمة تحركات لم تصل بعد إلى مداها ولكنها تسعى بالاتجاه الصحيح، ومن ذلك محاولات توحيد الرؤية والتوجه بين الدول العربية الصديقة للشعب السوري كالسعودية وقطر والإمارات والأردن وبين تركيا، ومن ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير سلمان ومنها المؤتمر الذي عقد في الأردن الأسبوع الماضي، ومنها الجهود المبذولة على كل المستويات لإعانة الشعب السوري وإغاثته على الأرض ماديا ومعنويا، وهي جهود بدأت تؤتي أكلها ويظهر تأثيرها.

أمر مهم في المنطقة وهو أن اقتصاد إيران يعاني كثيرا تحت ضغط العقوبات الدولية ويصرف كثيرا على أذياله في المنطقة العربية الذين ينفذون خططه للتوسع وبسط النفوذ، سواء كجماعات طائفية مقاتلة كحزب الله وحركة الحوثيين في اليمن، أم على تنظيم إرهابي كتنظيم القاعدة الذي طالما قدم خدماته لطهران، أو على خلايا تجسس تحاول زرعها في دول الخليج ويتم الكشف عنها تباعا، وهي مجبرة على الاستعانة بأموال النفط العراقي تحت ظل حكومة خاضعة وتابعة لها. ولا أصدق في هذا السياق مما قاله الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني من «أنهم (الفصيل الحاكم حاليا) لا يعلمون ما يفعلونه بهذه البلاد، فلم يتبقَّ سوى القليل من المال، وهذا لا يمكن الحصول عليه أيضا بسبب العقوبات، وباختصار، فحتى في ظل وجود مؤامرة لا يمكن أن يحدث لإيران أسوأ من هذا الذي حدث (عبر الفصيل المتشدد الحاكم)». («الشرق الأوسط»).

وبالمقابل، فإن اقتصاديات أصدقاء سوريا تشهد نموا مطردا وميزانيات تاريخية، وهي بتحالفها بعضها مع بعض قادرة على مواصلة الدعم للشعب السوري وتعزيزه وتطويره وتوسيعه وهي أقدر من أعداء الشعب السوري على طول النفس ومواصلة الدعم.

إن إيران ونظام الأسد وحزب الله أمام حرب استنزاف حقيقية يقودها الشعب السوري؛ فهم جميعا آخذون في صرف مالي ضخم على المستوى المادي كما أنهم سحبوا غالبية ما كان لهم من أرصدة معنوية لدى بعض المخدوعين من العرب، فقد أصبحت الممانعة ملطخة بالطائفية والمقاومة غارقة في الدم السوري.

إن حربا واحدة من هذه الحروب كفيلة بخلق منطقة مضطربة واستخراج كل كوامن التاريخ السيئة وعلى رأسها الطائفية والعرقية والقبلية ونحوها، وتشويه المستقبل لعقود مقبلة للأسف الشديد، فكيف بها مجتمعة!

إن جبهة النصرة مجموعة إرهابية تنتمي لخط تنظيم القاعدة، ولكنها جزء صغير من مشهد كبير والتركيز الغربي عليها إنما يعبّر عن العجز عن اجتراح حل سياسي حقيقي، وهي لم يكن لها أن توجد لو بادرت القوى الدولية لحل الأزمة السورية مبكرا، وهي جبهة لم تزل منبوذة لدى غالبية الشعب السوري رغم ما مرّ به من أهوال طائفية ودموية تحرض على الانتقام، وهي لا تجد مكانا بين كتائب الجيش الحرّ، وهي مرفوضة من ائتلاف المعارضة السورية، ولم يزل بالإمكان تدارك أوضاعها وتحجيمها إذا وجد الحل السياسي.

أخيرا، في لحظات الانتقال التاريخي بين مرحلة وأخرى تسيطر الأوهام على البعض وتستحوذ الأحلام على البعض الآخر، ويختلف الفرقاء حولها، وتدخل على الخط طموحات السياسة وصراعاتها وولاءات الآيديولوجيا وعقائدها، وتختلط قراءة المشهد بحجم التناقضات الجديدة التي يخلقها، فيتيه بعض الخبراء ويضل بعض المتخصصين، وهو ما حدث تجاه الأزمة السورية حتى بان الصبح لذي عينين فلم يبق من يؤيد نظام الأسد الطاغي وداعميه وحلفاءه الطائفيين إلا فاقد لإنسانيته مقدوح في بشريته.

 26/5/2013 – الشرق الاوسط

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة