قراءة في كتاب مسعود بارزاني / بقلم : بسام مرعي

مقالات 0 admin

((نصيحتي لكل فرد ولكل سياسي كوردي حيال موضوع الحقوق المشروعة لشعبنا، هي أن لا يدفئوا ظهورهم بأحد في أي وقت، لأن العالم هو عالم المصالح، فإذا كانت لهم مصالح منسجمة مع الكورد سيصبحون أصدقاء، وأن تعارضت مصالحهم مع الكورد سيهملونكم ويتجاهلونكم، لذلك اعتمدوا فقط على الله وعلى أنفسكم، وما دمنا نملك البيشمركة والقوة الذاتية فكوردستان تستطيع حماية ذاتها وأن أصبحنا ضعفاء فلا أحد يحمينا وسيبيدوننا ))
بهذه الجمل اختتم الرئيس مسعود بارزاني كتابه للتاريخ” وأورد فيه أيضاً أن الاستفتاء والسادس عشر من أكتوبر أظهرا بوضوحٍ إنه لايمكن التوقع من الانتهازيين وفاقدي القيم والمبادئ أن يكونوا وراء قضية عالية، وأن لا نأمل منهم أن يصبحوا أصحاباً لقضيةٍ، إذن فوحدة الصف مع هؤلاء تبقى دون معنى .
بعيداً عن المناظرات وبحنكة السياسي الذي اختبر الواقع وعاصر أحداث شتى وذاق طعم الإنتصار مرات، ومرارة الظلم وقسوة الخيبات مرات، يحاول البارزاني خلع الملاءة عن وجه الحقيقة المر والعابس في وجه الكوردي، وهو الذي لُدِغَ من جحور أصدقائه وشركائه في الجغرافيا والخريطة العراقية مرات ومن إخوة الدم مرات، ليكون درس السياسة قاسياً من جهة، ومثقلاً بحمل المسؤولية الكبيرة من جهة أخرى ، حيث يدلي بشهادته التاريخية على مشهدٍ تراجيدي، وهو مشهد تداعيات الإستفتاء ليرسم بذلك لوحة دقيقة بتفاصيلها رغم خطوطها المتشابهة، إنها لوحة كوردستان المهتزة والمتأرجحة على جدران الأعداء المتربصين تاريخياً 
الكتاب يعرض في بدايته قراءة تاريخية عن الشعب الكردي وأصالته ، والمعاهدات والاتفاقيات التاريخية التي قسمت كوردستان بدءاً من معركة جالديران، واقتسام الصفويين والعثمانيين لها، مروراً ب معاهدة زهاو التي نال بموجبها العثمانيون القسط الأكبر، إلى تباحث الشيخ عبد السلام بشأن تأسيس دولة فيدرالية مختلطة من الكورد والأرمن والأشوريين ولقاء الشيخ عبد السلام بالقيصر الروسي في سردٍ وتسلسلٍ تاريخي سلس ومتدرج ومن ثم التطرق للاتفاقية المصيرية التي أفرزت تقسيم كوردستان، ومن ثم اتفاقية سيفر 1920، ومعاهدة لوزان التي أنحت سيفر جانباُ، ولم يهمل السيد مسعود بارزاني التحدث عن اتفاقية عام 1970 بين صدام حسين ومصطفى البرزاني، واعتراف الحكومة العراقية بحق الكورد، واعتبار ذلك إنعطافة تاريخية تم خرقها فيما بعد أيضاً، كما هو معهود من الحكومات العراقية المتعاقبة تاريخياً، وتتالت بعد ذلك أحداث كثيرة من محاولة اغتيال البرزاني، وإعدام ليلى قاسم بسبب نشاطها السياسي، واتفاقية الجزائر 1975 وامتداد يد شاه إيران في العراق 
في العام 2003 وفي ظل عملية تحرير العراق وسقوط نظام البعث، كانت بدايةٌ لعهدٍ جديدٍ في ظل حكم فيدرالي، ومشاركة شعب كردستان عن طريق ممثليهِ في بناء العراق الجديد .
محطاتٌ كثيرةٌ يمر بها العراق إلى أن يصل إلى المحطة الأكثر توتراُ، وهي ظهور داعش معلناً دولته وولايته على الموصل واحتلال شنكال، وليمتد على حساب دماء أهل المنطقة بكوردها وعربها حيث الجينو سايد الأكثر دموية في العهد الحديث على الكورد الإيذيديين في شنكال 
لقد أشار الكاتب هنا إلى دور الكرد في الحرب ضد داعش، ودور البشمركة الكبير في إيقاف داعش وامتداده على كامل الجغرافيا العراقية، ومشاركته الكبيرة في تحرير الكثير من المناطق، بالمقابل كيف تم التعامل مع الكورد من قبل العرب، وكيف تم الرد بحقدٍ ونيات مبيتة .
بعد السرد التاريخي ومحطات الخذلان وتجربة الشراكة الفاشلة والتي دامت حوالي مئة عام، وحقيقة صعوبة العيش المشترك، كان لابد من مشروع الإستفتاء وكان الهدف هو تبيان وإطلاع العراق وبلدان المنطقة والعالم على الرغبة الحقيقية لشعب كوردستان، وتم التحضير للاستفتاء وأخذ الأراء والمواقف التي كانت أغلبها مؤيدة في ظاهرها ، وكان الاستفتاء الذي تجلت مظاهره بحشد جماهيري واسع ومن ثم كان ماكان .
بعد الاستفتاء ونتائجه بدأت تظهر ردود الأفعال القوية سواء من الحكومة العراقية بإصدار قرارات عقابية من دون وجود النواب الكورد، وتصاعد لهجة التهديد بالقوة التي كانت ممنوعة حسب الدستور العراقي لتتحول إلى حرب حقيقية ضد كوردستان، بالإضافة إلى ردود الأفعال الأمريكية والدول الإقليمية
ولا يخفى عن متابعٍ اجتماع دوكان 16 أكتوبر عام 2017، ففي تجمع عدواني إقليمي وتسهيل داخلي وتحت أنظار الأمريكيين، قام الحشد بدعم إيراني وبقيادة إقبال بور بمهاجمة كركوك والمناطق المتنازعة عليها
وكان موقفه واضحاً من خلال التعبير عن خذلانه من الموقف الأمريكي في موضوع الاستفتاء واستخدام الحشد للسلاح الأمريكي في قيادة الهجوم على كركوك ومن خلال السفير الأمريكي دوكلاس سليمان الذي استخدم معلومات وتقارير مضللة بشأن كوردستان والجنرال بول فانك الذي لعب دوراً سيئاً في موضوع الاستفتاء، بالإضافة إلى الموقف البريطاني من خلال السفير البريطاني فرانك بيكر الذي كان على علم بالكثير من المؤامرات السرية ضد كوردستان . .
وهنا من المهم أن تتم الإشارة، أن البارزاني يضع القارئ وبشكل مباشر أمام أسباب وتداعيات الإستفتاء وما آلت إليه الأوضاع في الإقليم بعد الإستفتاء ليقدم شهادة تاريخية 
لعل الأكثر أهمية في موضوع الإستفتاء، هو كيف تم التعامل معه من قبل شركاء الأمس والأوساط العربية العراقية سواء الرسمية منها أو الثقافية، والتي كانت تحمل لهجة عدائية حاقدة مليئة بالتشفي وتدفع باتجاه إذلال شعب كوردستان والنيل من كرامته، وقد كان أثر القرارات التي أقرتها الحكومة العراقية من إغلاقٍ للمطارات والحصار المتعمد كعقوبة على شعب كوردستان، وأظهرت نفسها كمنتصر على أربيل، كانت كفيلة بأن تزيد من حقد الكردي على العراق، وتشعره بالخيبة من قرارات الحكومة، ومن طريقة تعامل النخب العراقية الثقافية مع الاستفتاء كحقٍ مشروع 
إن لعبة المصالح الإقليمية والدولية كانت العائق الأكبر لسد الطريق أمام نتائج الاستفتاء الذي حصل في 25 أيلول 2017 
لاشك أن النضال والإيمان بعدالة القضية هو السبيل الوحيد الذي يجب أن يستمر ويُدافع عنه ، وهذا مايؤكد عليه الرئيس البارزاني، مؤكداً من خلال هذا الكتاب أيضاً نجاح الاستفتاء وفوزه بما كان يصبو إليه، وذلك من خلال نتائجه كتصويتٍ عبر عنه أغلبية شعب كوردستان .
نعم كان مسعود بارزاني هو المتمرد الأعظم على التاريخ، ولكن يبدو أن التمرد على الجغرافيا والخرائط في شرقنا الموبوء شيء آخر مختلف
وإذا كانت الحكومة العراقية قد استعادت بعض المناطق المتنازعة، فعليها قبل كل المناطق المتنازعة أن تستعيد العلاقة المتوازنة مع الكوردي لتعيش معه في استقرارٍ، لا في خصام وعِداء دائم
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوةٍ في موضوع الاستفتاء، هل الاستفتاء حقق المرجو منه ليكون بمستوى الطموح والهدف، أم كان هزةً عنيفةً في كيان الإنسان الكوردي، ودعوة إلى إعادة الحسابات لبلورة رؤية سياسية جديدة، وهنا يبقى السؤال مرسوماً على الشفاه التي َمازالت تترقب الإجابة؟

بسام مرعي – للتاريخ (ahewar.org)
 

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة