سوريا من زاوية اخرى علي العبد الله

مقالات 0 admin

لم يكن النظام العائلي الاستبدادي الفاسد قادرا، ولو للحظة، على تقبل فكرة خروج المواطنين للمطالبة بالإصلاح الشامل لاستعادة حقوق مغتصبة فبادر منذ اللحظة الأولى الى استخدام القوة عله يعيد المتظاهرين الى “رشدهم” عبر القوة العارية، وإفهامهم ان الطريق مغلقة والنتيجة محسومة ولا جدوى من اللعب مع العقرب لان “قرصته والقبر” كما يقول المثل الشعبي.

وجد هذا التوجه تشجيعا روسيا إيرانيا، كل لاعتبارات تتعلق برؤيته ومصالحه وصراعاته الاقليمية والدولية، ما دفعه للإيغال في القتل والتدمير والاندفاع بهذه السياسة الى حدودها القصوى لأنه يريد ان يحافظ على تسلطه واستبداده، ولان حماته يريدون له ان يحقق مكاسب على الارض كي ينجحوا في الضغط على خصومهم ويحققوا اهدافهم من عملية عض الاصابع مع هؤلاء الخصوم، لقد كانوا محتاجين “لصموده” كي يوظفوه في مساوماتهم، وهو بحاجة لدعمهم كي يحجز لنفسه مقعدا في المفاوضات حول سوريا ويأخذ مكانا في مستقبلها.

امتد الصراع وافرز معادلة توازن قوى تعكس عجز الطرفين عن الحسم العسكري، وتفاقم الحالة الانسانية داخليا، وتطاير شرر الصراع الى دول الجوار القريبة بخاصة( العراق، لبنان، الاردن، تركيا)، بالإضافة الى بروز دور الحركات “الجهادية” وما اثاره من هواجس ومخاوف، وما ترتب على حضورها من تقاطعات بين الخصوم الاقليميين والدوليين. وهذا قاد الى الحديث عن حل سياسي للازمة واتفاق امريكي روسي على الدعوة الى مؤتمر دولي تحت عنوان جنيف2.

غير ان الاتفاق على العنوان لم يؤد الى انطلاق العملية السياسية نتيجة عدم الاتفاق على الحصص والأدوار، ناهيك عن الاتفاق على ملفات خلافية خارج الساحة السورية، ما أجل البت بالموضوع وتجميده دون تحديد زمان او مكان. وقد زاد في تعقيد الوضع انخراط حزب الله وتشكيلات شيعية عراقية ويمنية وإيرانية في الصراع الى جانب النظام لدعم “صموده” وتحقيق مكاسب على الارض تمنحه موقعا متقدما في المفاوضات اذا ما حصلت او تؤسس لانتصاره اذا لم يتم التفاوض او فشلت محاولة الاتفاق على حل سياسي.

نجح النظام وداعموه في تحقيق مكاسب على الارض ما دفعه الى رفع سقف مطالبه برفض اية شروط مسبقة للتفاوض والتمسك بدور لرأس النظام مع عدم الموافقة على اخراجه من السباق الانتخابي عام 2014.

اما الطرف الثاني( المعارضة ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) فلم يكن قادرا على النظر في الدعوة الى حضور المؤتمر الدولي حول سوريا(جنيف2) وهو يعاني من تراجع ميداني وارتباك سياسي نتيجة بقائه في حالة انتقالية مقيمة نتيجة الصراع على المواقع القيادية بين المكونات والشخصيات على خلفية ولاءاتها وارتباطاتها مع الدول الداعمة، وخوفها من المشاركة في المؤتمر في ضوء الخلل في ميزان القوى لصالح النظام. وقد تقاطع موقفه في عدم البت بالموضوع مع حاجة دول اقليمية ودولية الى التأجيل، مازالت تنتظر انجاز صفقة مع خصومها الاقليميين والدوليين، فرفع الجميع راية استعادة التوازن على الارض قبل البت بالمشاركة في المؤتمر من عدمها.

واقع الحال ان موقف “الائتلاف” لا يعكس، على عكس موقف الدول الداعمة له والتي توظف التأجيل لخدمة اجنداتها الخاصة، ادراكا واقعيا للحظة السياسية ومستدعياتها، وموقفه بتعليق البت بالموضوع ناجم عن حالة عجز وضياع اكثر منها حالة واعية، ذلك لان الصراع السوري(صراع بين نظام وثورة شعبية) لا يخضع للقواعد التقليدية في الصراعات التي تعتمد مواجهة بين جيش وجيش، والتي يطلق عليها في الاستراتيجية العسكرية الصراعات المتوازية، وإنما لقواعد الصراعات غير المتوازية، مواجهة بين جيش ومقاومة شعبية، والتي تعتمد حرب عصابات وكر وفر، وتتحاشى الانزلاق الى حرب تقليدية عبر امتلاك اسلحة ثقيلة من نوع اسلحة الجيوش كي تحتفظ بالمرونة والقدرة على الحركة والمناورة، ولا تدخل معارك مواقع ثابتة لأنه المعارك الثابتة تعطي الجيش النظامي نقاط تفوق، ما يجعلها قادرة على استنزاف جيش العدو او الخصم ودفعه الى الانهيار. كان المفكر الاستراتيجي الدكتور محجوب عمر( رحمه الله) في ثمانينات القرن الماضي قد لاحظ فتح دول كثيرة الابواب أمام حصول منظمة التحرير الفلسطينية على اسلحة ثقيلة، واعتبرها ظاهرة مقلقة لأنها تغير من طبيعة المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الاسرائيلي، وتثبت المقاومة، نتيجة بطء حركة العتاد الثقيل وحاجته الى المواقع الثابتة والاستحكامات، في نقاط يسهل ضربها والتفوق عليها بسبب فارق القدرة التقنية وغزارة النيران ما يضعها في الصف الخاسر في النهاية، وحذر من الاستسلام للعملية قائلا:” كان الحج حسن( احد كوادر حركة فتح البارزين استشهد عام 1976 في بيروت) يحمل الصاروخ الموجه لعدة كيلومترات داخل الضفة الغربية وينصبه باتجاه القطع العسكرية الاسرائيلية ويوقت انطلاقه وينطلق راكضا بحيث يصبح على بعد عدة كيلومترات منه قبل ان ينطلق، وعندما تمسح القوات الاسرائيلية المكان الذي جاء منه الصاروخ بحثا عن منفذ العملية لا تجد احدا، هذا غير القوة المرتبطة بالدبابة او بالراجمة او بالمضاد للطائرات التقليدي التي تبقى ثابتة ويسهل تدميرها”.

في المواجهة غير المتوازية( جيش ومقاومة) يسود قانون آخر غير توازن القوى لخصه سيء الذكر هنري كيسنجر بمعادلة عبقرية تقول:” ينهزم الجيش عندما لا ينتصر. وتنتصر المقاومة عندما لا تنهزم”. فالقاعدة هنا استمرار المقاومة في استنزاف العدو او الخصم وإنهاكه حتى ينهار او يقبل بشروطها عبر التفاوض على حل. وهنا تأتي الخطوة الثانية في شروط انتصار المقاومة: تحديد مرجعية للتفاوض. فالمرجعية تحدد هدف التفاوض ومراحله وتنهي دور توازن القوى لان الهدف قد تحدد وبقي الاتفاق على طريقة تحقيقه.

تحتاج المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، الى استدراك أدائها وتعديل مسارها والتحضير للمرحلة القادمة، دون انتظار وصول سلاح نوعي لن يصل لتعديل توازن القوى، والعمل على خطين متوازيين: استنزاف جيش النظام في عمليات كر وفر، وطرح سيناريو حل وفق خريطة طريق ومرجعية تفاوض تقود الى تحقيق اهداف الثورة، وقطع الطريق على تسويف المجتمع الدولي المرتبط باعتبارات لا تتعلق بالواقع السوري، ودفعه لأخذ خطوات عملية في حل الصراع ووقف المجزرة.

 الاربعاء 07/08/2013,المدن

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة