فرص التقدم الجديدة في ظل العولمة ـ إبراهيم غرايبة *

مقالات 0 admin

ما الذي يمنع دولتين مثل لبنان والأردن من أن تكونا في مستوى اقتصادي وتنموي مقارب لإسرائيل؟ فالبلدان الثلاثة تقع في منطقة جغرافية واحدة وبعدد متقارب من السكان وفي ظروف كثيرة متشابهة، ولماذا لا تستطيع الدول العربية في معظمها أن تحقق مستوى في التنمية والتقدم الاقتصادي مثل ما حققت دول أخرى استطاعت ان تخرج من الفشل والفقر والفساد والاستبداد، مثل تشيلي والبرازيل وموريشيوس؟ بل إن تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2013 يعتبر أن دولاً من الجنوب، مثل الهند والصين والبرازيل وتشيلي وتركيا لم تستطع فقط أن تحقق تقدماً سريعاً في التنمية وتخفيض الفقر، ولكنها تقود الاقتصاد العالمي وتؤثر فيه إيجاباً ويمكن ان تساعد العالم في الخروج من الازمة المالية والاقتصادية الكبرى التي عصفت به وأصابت حتى الدول المتقدمة بالركود!

يردّ تقرير الأمم المتحدة نجاح هذه الدول إلى مجموعة من الأسباب مهيأة بنسبة كبيرة لكثير من الدول العربية، بخاصة الأردن ولبنان وتونس وبالطبع دول الخليج التي يمكنها بفوائضها المالية ان تحقق تقدماً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً لنفسها وللعالم، ومن هذه الأسباب وفق التقرير: الدور الإنمائي الفاعل للدولة، واختراق الأسواق العالمية، والابتكار في السياسات الاجتماعية.

هذه السياسات المبتكرة التي يعرضها التقرير ليست امراً صعباً ولا تحتاج إلى موارد إضافية هائلة، مثل العدالة والمساواة في الفرص والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وإعلاء صوت المشاركة والمساءلة، والسياسات المناصرة للفقراء والشباب والنساء، والاستثمار في إمكانات الافراد، والمساواة بين الجنسين، ومواجهة الضغوط البيئية، ومعالجة التغيرات الديموغرافية.

هناك ثلاث دول عربية على الأقل (لبنان وتونس والأردن) تملك فرصاً للتقدم الإنمائي السريع بتطبيق سياسات اجتماعية والاستثمار في السياحة والتقدم التعليمي المنجز بالفعل، فيمكنها ان تنشئ اقتصاداً معرفياً جديداً وأن تشارك في السوق العالمية. فالمستوى التعليمي الجيد في هذه الدول، والتقدم التقني والأسواق العالمية تتيح لها أن توظف مواردها وفرصها في منظومة من الإنجازات والمشاركة الاقتصادية، مثل البنوك والتأمين والاتصالات والبرمجة والسياحة والتصميم وسائر المهن والصناعات والمجالات الاقتصادية القائمة على أساس المهارة والمعرفة، ويتيح التطور التقني فرصاً للطاقة البديلة وتقليل الاعتماد على النفط المستورد وتفعيل وترشيد استخدام الماء في الزراعة على أسس أكثر تقدماً وإنتاجاً، وبذلك فإنها قادرة على تصدير المعرفة وتقليل واردات الطاقة والغذاء.

كيف تكون الزراعة أساساً لتقدم اقتصادي، كما يحدث في دول شمال المتوسط المتقدمة، أو في دول نجحت في ذلك أخيراً، مثل تشيلي وفيتنام؟ الإبداع الممكن والمطلوب هنا هو كيف ندير ونعظم الموارد المائية، وندبر بها أقصى إنتاج زراعي ممكن. ولكن الاقتصاد الزراعي لا يقوم على إنتاج السلع الزراعية وتسويقها فقط، بل يجب أن يشكل ذلك نسبة ضئيلة من اقتصاد كبير يقوم حول الزراعة، إذ ثمة مجال لصناعات غذائية ودوائية واسعة تضاعف قيمة المنتجات الزراعية، وتطوير المدخلات والتقنيات الزراعية، وبذلك تنشأ صناعة واسعة لا تطور الزراعة فقط ولكنها تتحول بذاتها إلى سوق جديدة تقوم حولها صناعات ومهن وحرف متقدمة.

التقدم العلمي والعولمة لا يساعدان فقط في جعل الاحتياجات الأساسية في السكن واللباس والطعام والتعليم في أفضل مستوى وأقل تكاليف ممكنة، ولكن يمكن تحويلها إلى سلع ثقافية وسياحية ومعرفية وحياتية، الطهو اللبناني على سبيل المثال يمكن ان يتحول بسهولة وسرعة إلى اقتصاد عالمي واسع، كما الطهو الصيني والإيطالي، والمنتجات الغذائية يمكن أن تتحول إلى علامات تجارية واسعة الانتشار.

وتتيح شبكة الانترنت فرصاً للمشاركة في العمل والتجارة عن بعد وبتكاليف رأسمالية متاحة، نتحدث عن تجارب قائمة وناجحة بالفعل كما يحدث اليوم في الهند وإسرائيل، ونهضة الجنوب اليوم تضعنا أمام دروس لا يجوز أن نتأخر أو نتردد في اقتباسها وتوظيفها.

* كاتب أردني

الحياة ـ ٢ أبريل ٢٠١٣

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة