واشنطن تترقّب الإنتخابات الإيرانية… ومعركة دمشق ـ جوني منير

مقالات 0 admin

اذا كان من الواضح أنّ قرار العواصم الغربية بالنسبة إلى الساحة اللبنانية جليٌّ لناحية ضمان الاستقرار الأمني فيها، كما العمل قدر الإمكان على تجنيبها الاهتزازات القاتلة للصراع العسكري الدائر في سوريا، إلّا أنّ هذه العواصم تبدو في الوقت نفسه حائرة ومرتبكة لا بل متناقضة في طريقة التعاطي مع الملف السوري.

لدرجة أنّ احد سفراء العواصم الغربية الكبرى المعنية بالصراع السوري قال في إحدى جلساته: إنّ كل مكتب من المكاتب المعنية مباشرة بالوضع السوري لديه وجهة نظر متضاربة مع المكاتب الأخرى انطلاقاً من مرتكزات يرى كل فريق أنها تؤمّن المصالح الغربية.

هكذا، وبعدما كان الانقسام العمودي السابق داخل الإدارتين الأميركية والفرنسية حاصلاً ما بين وجهة نظر السياسيّين والديبلوماسيين المؤيدة لإزاحة النظام بالقوة وبأسرع طريقة عبر تركيا، وإحلال مجموعة جديدة قادرة على الشروع بتسوية تاريخية مع إسرائيل وتعمل على قطع التواصل الإيراني مع “حزب الله”، حيث كان وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس رأس حربة هذا التوجه، فإنّ الدوائر الامنية كانت ترى في هذه النظرة أحلاماً غير واقعية وتهديداً جدياً للمصالح الغربية بدءاً من الحدود الاسرائيلية التي حظيت بأربعين عاماً من الهدوء والاستقرار ولو من دون النجاح في التوصل الى تسوية سلمية.

ويعتقد أصحاب وجهة النظر هذه بأنّ البديل الوحيد عن النظام، هو فوضى عارمة ووحول أمنية، وأفغانستان أخرى ستضرب بشظاياها استقرار الدول المجاورة بدءاً من اسرائيل مروراً بتركيا والأردن ولبنان الذي سيصبح مجدداً بؤرة أمنية خطيرة وجزء منه ملعباً لإيران من دون ايّ ضوابط أو رقابة.

ويرى هؤلاء أنّ المصلحة الغربية تفرض الذهاب نحو تسوية سياسية مع النظام الذي يجب أن يشكل العمود الفقري لأيّ سلطة مقبلة كونه اثبت مصلحة أمنية للغرب طوال العقود الماضية. واللافت أنّ عدداً كبيراً من الديبلوماسيين اصبحوا على قناعة بوجهة النظر هذه مثل المفاوض الفرنسي الخبير بشؤون المنطقة جان كلود كوسران.

وعلى رغم تراجع أصحاب النظرة الأولى، إلّا أنّ العواصم الغربية لا تزال غير مستقرة حول الطريق الواجب اتباعه حيال مستقبل الأوضاع في سوريا، لذلك ضغطت العواصم الخليجية لتحقيق إنجاز عسكري ما، ولو على مستوى العاصمة دمشق ما يسمح لاحقاً بالتفاوض مع النظام من موقع أقوى وعلى أساس بند أول يقضي برحيل الاسد.

لذلك رعت واشنطن ومعها باريس تدريب وتجهيز ما بين سبعة وثمانية آلاف مقاتل سوري في الأردن بهدف توجيه ضربة باتجاه دمشق لكن وفق الأسس الآتية:

1 – إبقاء الأمرة وتزويد المعلومات في يد قيادة موجودة في الأردن خوفاً من انتقال كل ذلك الى المجموعات المتطرّفة التي باتت تمسك فعلياً بعصب ساحات القتال. وجرى في هذا الإطار حجب معلومات الأقمار الصناعية بعدما تأكدت القيادات العسكرية الغربية أنها كانت تصل مباشرة الى “جبهة النصرة” والمجموعات المتطرّفة.

2- اقتصار السلاح على المتوسط والخفيف خوفاً من انشقاقات لصالح “جبهة النصرة” كما يحصل باستمرار.

3- أن تكون المرحلة الثانية تطهير دمشق من المجموعات الإسلامية المتطرفة.

4- وضع قوات أميركية (200 عنصر من المارينز) في حال جهوزية لمراقبة مصير السلاح الكيميائي، وتزويدها بأجهزة رصد وتجسّس لتقوم بدورها بتزويد المجموعة السورية بما يلزم.

وجرى إقناع السلطات الأردنية بأنّ للمساعدة الاردنية في هذا المجال إيجابيات كثيرة بدءاً من المساعدات الاقتصادية الخليجية التي يحتاجُها الاقتصاد الأردني المأزوم، إضافة الى استيعاب التيارات الإسلامية الأردنية المعارضة للعرض على أساس مناصرة أخوانها في سوريا، لا بل استخدامها لانهاكها في سوريا.

واذا كانت العواصم الغربية تريد لهذه العملية أن تحصل لتحسين موقعها التفاوضي مع كل من إيران وروسيا لدى البحث في الملف السوري، إلّا أنّ المستجدات الميدانية لم تكن في صالح المشروع المطروح. فالجيش السوري نجح في ضربته الوقائية في ريف دمشق حيث سيطر على مساحة كبيرة شكلت دائرة واسعة قادرة على امتصاص ايّ هجوم مفاجئ.

من هنا جاء هجوم الرئيس السوري على الأردن، على رغم أنّ عمان شكلت متنفّساً مهماً للنظام السوري، لا سيما مع لعب الاستخبارات الأردنية دور الوسيط في نقل معلومات سورية عن التنظيمات الإسلامية المتشددة الى فرنسا. لذلك تبقى المحطة الأهم بدء المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي تؤكد المصادر الديبلوماسية الأميركية أنها جدية ومهمة بالنسبة إلى واشنطن.

وبغض النظر عما ستؤول إليه مشاريع “معركة دمشق” إلّا أنّ الإدارة الأميركية تنتظر جملة مؤشرات قبل إطلاق صفارة التفاوض، ومن هذه المؤشرات شخصية الرئيس الإيراني المقبل وهل سيكون راديكالياً أم مرناً.

إلّا أنّ الاوساط الديبلوماسية المطلعة ترى أنّ العاصمة الاميركية متمسكة “بالتسوية الكبرى” مع إيران لأسباب عدة أبرزها تنظيم العلاقة والموقع المهم لإيران في المنطقة، خصوصاً أنّ الخصومة مع إيران أدت الى نقاط ضعف فادحة على مستوى المصالح الأميركية في المنطقة.

إضافة الى ذلك، تفرض الأوضاع التي تسود دول الخليج السير بهذه التسوية. فصحيح أن في السعودية نوعاً من انواع “البيريستوريكا” يؤدي الى تعيينات لصالح جيل اكثر شباباً على حساب الحرس القديم، لكن هؤلاء وليستطيعوا الإمساك بمواقعهم يزايدون على المستوى الديني ما يدفع بالأمور خطوات الى الوراء.

وفي المحصّلة، تغرق سوريا وسط تضارب الرؤية وتردد الغرب، فيما يبقى الاستقرار الأمني للساحة اللبنانية مسألة غير مضمونة على رغم القرار الغربي بسبب التداخلات الكبيرة بين الساحتين اللبنانية والسورية، إضافة الى النازحين السوريين الذين يزيد من خطر وجودهم التمزق الذي يصيب النسيج اللبناني الطائفي والمذهبي.

الجمهورية ـ 25/4/2013

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة