الأزمة السورية بعد العدوان الإسرائيلي ـ عبد الوهاب بدرخان

مقالات 0 admin

لم تتوافر حتى الآن حصيلة دقيقة لما استهدفته الغارات الإسرائيلية على دمشق، فجر الأحد الخامس من مايو الحالي، لكن ردود الفعل من جانب النظام السوري تشير إلى أنه قرر التخلي عن التزامه السابق بالحفاظ على الهدوء في الجولان. وقد تدرّج النظام في صياغة هذا القرار، من التحذير بأن العدوان يفتح الباب أمام «كل الاحتمالات»، إلى القول إنه «سيسمح للفصائل الفلسطينية بشن عمليات» داخل إسرائيل، إلى إعلان أنه سيحوّل سوريا إلى «دولة مقاومة».

ما لم تقله دمشق تولّى الأمين العام لـ «حزب الله» توضيحه في بيروت؛ إذ أكد أن النظام السوري لم يعد يمانع توفير «أسلحة نوعية» لـ «المقاومة» أي لحزبه، وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة أعلن أن عشرات من مقاتلي «حزب الله» عبروا إلى الجولان لتنفيذ هجمات وراء الحدود. وبمعزل عما يعنيه ذلك عملياً، أو مدى واقعيته وجدواه، فإنه سيترجم بمزيد من التدخل الإيراني المباشر، وبالتالي بمزيد من التدخل الإسرائيلي. فالطرفان يبدوان مستدرجين إلى خوض حربهما الموعودة عبر سوريا وبواسطتها، بعدما انتهت المرحلة التي كانا خلالها متفقين ضمنياً على أن لديهما مصلحة في بقاء نظام بشار الأسد، لكن حتى المصلحة الواحدة يمكن أن تكون لها وجوه متعددة.

الفارق بين الهجوم الإسرائيلي أواخر يناير الماضي والهجومين الأخيرين أن الأول حصل بمنع تحميل شحنة أسلحة إلى «حزب الله» في لبنان، ولم يصدر أي تفسير مختلف عن أي جهة دولية محايدة، كما أن النظام تصرّف كما لو أن شيئاً لم يحصل، ومع ذلك كان متوقعاً أن ينصب دفاعات جوية تحسباً لتكرار الاعتداءات. لكنه لم يفعل، وهو ما أكده الإسرائيليون؛ إذ إن الاعتداءين الأخيرين لم يواجها أي مقاومة تُذكر، رغم وجود فارق يوم بينهما وليس من الصعب رصد تحليق الطائرات في الجو لفترة تزيد على ثلاث ساعات في كل مرّة. ورغم التغطّي بذريعة إحباط نقل أسلحة إلى «حزب الله» فإن القصف بصواريخ متطورة تخترق التحصينات واستهداف نحو أربعين موقعاً لقوات النخبة في الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري في مناطق عدة محيطة بدمشق، خصوصاً جبل قاسيون مركز الثقل في خطة للدفاع عن العاصمة وتأمين بقاء النظام فيها، أشارا إلى أن إسرائيل ذهبت أبعد من الهدف المعلن وتقصّدت إيصال رسالة إلى النظام وحلفائه. فثمة ترسانة صواريخ سماها الإسرائيليون («سام 17» أرض-جو، و «سكود دي» أرض-أرض القادرة على حمل رؤوس كيماوية في مدى 2700كم، و «الفاتح 110» المطوّرة إيرانياً وتعتبر أكثر فاعلية من «سكود») وأرادوا التخلص منها، ثم كشفوا لاحقاً أنهم احتجّوا لدى موسكو على بيع صواريخ من طراز «سي 300» إلى النظام السوري وتبنت الولايات المتحدة هذا الاحتجاج.

من رداءات هذا الزمن أن يجد العربي نفسه مستنكراً اعتداءً إسرائيلياً على دمشق، قبلة عواصم العرب، بمقدار استنكاره جرائم النظام في حق الشعب السوري، وأن تغدو عربدة العدو من وقائع أزمة وقتال مستمرين منذ عامين ونيّف في سوريا. لم يرَ النظام أن هذا اعتداء على سوريا وإنما عليه، فأول ما تلفّظ به أن إسرائيل «تنسّق مع الإرهابيين» أي مع معارضيه. وفي ظروف أقرب إلى الطبيعية والمعقولية كان يمكن توقّع أن تتوحّد الصفوف ضد العدو، غير أن مجازر النظام وضعت الشعب أمام عدوّين متنافسين في الإجهاز على سوريا.

في أي حال، جاء الإنذار الذي أطلقته تلك الغارات عشية محادثات مفصلية لوزير الخارجية الأميركي في موسكو. ولعل أخطر ما فيه أن الدول الغربية الثلاث الدائمة في مجلس الأمن «تفهمت» العدوان الإسرائيلي، فيما اكتفت روسيا بإبداء القلق، والصين بالانتقاد، وحتى تركيا قالت إنه «غير مقبول». لا يعني ذلك سوى أن العرب وإيران هم وحدهم الذين أدانوا الغارات، أما غياب الإدانة الدولية وفتورها فلم يستحثّا الأمم المتحدة على التفاعل مع شكوى تقدم بها النظام، لكن الأهم أنه أوحى لإسرائيل بإمكان تكرار الاعتداء في أي وقت. هذه هي المرّة الأولى التي تمارس فيها إسرائيل دور «الشرطي الإقليمي» الذي طالما طمحت إليه، رغم أنها لم ترد التدخل في معادلة القتال داخل سوريا وإنما الدفاع عما تعتبره مصالحها العسكرية والأمنية.

من بين التطورات الكثيرة المتعاقبة يبدو أن التحرك الإسرائيلي وحده ما جعل روسيا تجري تعديلاً ولو ضئيلاً على موقفها من الأزمة السورية. فلا القتل العمد، ولا التدمير المنهجي، ولا المجازر والإعدامات الميدانية، ولا استخدام السلاح الكيماوي، ولا استشراء التطرف المصنف «إرهاباً»، كانت كافية لمراجعة سلبيتها والميل إلى «حل سياسي» لا بد أن يدفع فيه النظام ثمن أخطائه وجرائمه، فمن دون ذلك لن يستقيم حل في سوريا. لكن القوى الدولية، لاسيَّما الولايات المتحدة، تأخرت كثيراً في السعي إلى توافق على هذا الحل، لأن النظام وحليفيه إيران و «حزب الله» لا يزالون قادرين على التخريب وفي أسوأ الأحوال على خلق ظروف لإدامة الصراع الداخلي وإعطائه وظيفة جديدة بنقله جزئياً أو كلياً إلى دول الجوار بما فيها إسرائيل. فالسياسة وحدها، ممثلة بالاتفاق الأميركي- الروسي، لم تعد قادرة على فرض حل على طرفين يرى كل منهما أن وجوده نفسه مهدد ولا خيار لديه سوى «الانتصار». وفي كل مرحلة برهن النظام السوري أن لديه خططاً للبدء بمرحلة جديدة تطيل بقاءه حتى لو أغرقته في مزيد من الجرائم.

13/5/2013 – العرب القطرية

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة