إسرائيل أولاً أم فلسطين؟! ـ عقل العويط

مقالات 0 admin

إنها الذكرى الخامسة والستون للنكبة. الكيان الصهيوني في فلسطين هو عدوّنا الوجودي والتاريخي. كلّ ضربةٍ توجَّه إليه، إنما هي إعادة اعتبار إلى قضيتنا الأولى. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الأنظمة العربية، التي لا يهمّها سوى استمرارها على ظَهر “القضية” وحسابها. هذه واقعة عربية رسمية، مثبتة بالقلم والورقة طوال الستين عاماً الماضية، وهي مستمرة في الحاضر الراهن بقوة. لا لبس في هذا، ولا جدال، بدليل ما يجري حالياً في سوريا، وخصوصاً ما يتعلق بدعوات النظام الأسدي، و”حزب الله”، إلى فتح جبهة الجولان بعد ستة وأربعين عاماً من الغيبوبة (عجباً!) لصرف النظر عن الثورة، وهي دعواتٌ تصبّ أولاً وأخيراً في تأبيد الكيان الصهيوني في فلسطين. هذا المقال هو “تأنيب” ثقافي متشدّد، لمَن لا يتّعظ من عِبر هذه الأنظمة وكوارثها المديدة.

من الأساس، لم يكن ثمّة منفذٌ أمام النظام الديكتاتوري في سوريا، إلاّ الهرب إلى الأمام. اليوم، أكثر من كلّ وقتٍ مضى، قد لا يكون من منفذٍ واهمٍ له (؟) إلاّ مواصلة الهرب. ولِمَ لا؟! فـ”العدوّ” الإسرائيلي جاهز دوماً لتسهيل فتح طريق “الممانعة” و”المقاومة”، بهدف إنقاذ حليفه الأول في المنطقة. بل هو جاهزٌ أيضاً لـ”تبليعنا” بأن ثمة حقاً مَن يريد “محاربته” في سوريا، ومن الجولان تحديداً. هذا من جهة إسرائيل، أما على المستوى العربي، السوري واللبناني خصوصاً، فثمة مَن يريد أن يقنعنا، من الجولان تحديداً، بأنه يعمل على اجتثاث الكيان الغاصب في فلسطين، ورمي إسرائيل في البحر. هذا جيّد جداً. فليردّ النظام السوري، وحلفاؤه في لبنان وإيران، على الغارات الإسرائيلية. ففي حين أن “الوقت المناسب” للردّ هو الآن، وأقصى أمنياتنا ليس الردّ فحسب بل أن تُزال إسرائيل من الوجود، يذهب بعضنا في المراهنة على النظام السوري إلى حدّ التفريط بالأولويات، أولويات القضايا الكبرى، من مثل القضية الفلسطينية، والقضية السورية، والقضية اللبنانية، من أجل حفنةٍ ذليلة من ديكتاتورية البعث والشخص والنظام. ما يومئ إليه الرئيس السوري و”حزب الله” وولاية الفقيه في إيران، في هذا الصدد، ويعملون من أجله، إنما هو برهانٌ ساطعٌ في وقائعه ودلالاته ومعانيه، هذه التي يبرز في مقدّمها تأبيد الكيان الصهيوني، وتفتيت المنطقة العربية مذهبياً وطائفياً ودينياً، وتثبيت دعائم النظام الديكتاتوري المتهاوي في سوريا.

أكتب بصفتي مواطناً لبنانياً عربياً، الأولوية عندي هي لقضايا الحرية والإنسان والقيم، لا للديكتاتوريات والأنظمة والحكّام. أكتب منصعقاً وخجِلاً مما تنحو في اتجاهه تداعيات الأحوال السورية الراهنة، وخصوصاً الدعوات الخبيثة والمفخخة إلى فتح جبهة الجولان، المستريحة والآمنة والمطمئنة منذ عام 1967، وهي دعواتٌ يطلقها النظام الأسدي الذي ذبح (ولا يزال) بشكلٍ “أبدي” منظّم، معاً وفي آنٍ واحد، كلاًّ من شعب فلسطين وشعب لبنان وشعب سوريا وشعب العراق، والجوار، يعاونه في ذلك حزبٌ إلهي لبناني كان يجب أن يكون موقعه منزَّهاً من كلّ شائبةٍ وعيب. دعواتٌ هي في ظاهرها مقاومةٌ وممانعة، لكنها تمعن في باطنها في نحر القضايا المشار إليها على مذبح النظام السوري المتهاوي.

فلسطين مغتصَبة. بلدان الشرق الأدنى، فلسطين أولاً وأخيراً، ثم دول الطوق خصوصاً، لبنان وسوريا والأردن ومصر، لا تزال تعاني منذ 1948 ما ترتّب على إقامة الكيان الإسرائيلي في فلسطين الطبيعية. وإذا كان ينبغي لنا نحن العرب، لبنانيين وسوريين وأردنيين وعراقيين ومصريين وفلسطينيين، أن نتعلّم قبل غيرنا، وأن نتّعظ، فإننا على ما يبدو، نمعن في التعامي عن حقائقنا الساطعة، منحدرين إلى القاع الصهيوني الذليل، مواصلين الوقوف في وجه حركة التاريخ، وخصوصاً ما تتوق إليه الشعوب العربية من كرامة وحرية وديموقراطية.

كل ما يجري الآن، يصبّ في مصلحة الكيان الإسرائيلي: تفكيك نسيج الشعوب العربية، وخصوصاً نسيج الشعب السوري، تشويه حقيقة الثورة السورية، وإعلاء شأن المذاهب والطوائف فيها، وتظهير دور القوى الظلامية والتكفيرية على حساب قوى الثورة الحقيقية، وفرز المناطق فرزاً تطهيرياً، بما يطمئن “شعب إسرائيل” إلى دولته اليهودية النقية.

الجميع يشارك عملياً وموضوعياً في هذا المشروع الأسدي – الصهيوني، ولن أستثني بالطبع من “يعادي” النظام السوري حالياً، وخصوصاً دول الخليج النفطي، الفاعلة والمؤثرة، أوّلاّ بأوّل. هذه الدول، ومعها من يقف في الجهة المقابلة (النظامان السوري والإيراني)، كلها في الواقع الموضوعي للأمور، إسرائيلية المصالح والهوى. وحدهم الثوّار السوريون، والعرب الديموقراطيون المثقفون الأحرار، يواجهون هذا المشروع.

ماضينا القريب والبعيد نحن العرب، ليس مشرِّفاً كله. ما ليس مشرِّفاً فيه، لنا فيه الكثير من الجروح والإهانات والهزائم، وخصوصاً ما يتعلق بحروبنا وتطبيعاتنا المرئية والمخفية مع الكيان الصهيوني، ووقوفنا في وجه الحرية. يبدو أن ما يجري حالياً هو دعوةٌ قاتلة إلى تأبيد هذا الماضي.

إسرائيل أولاً… ومعها نظام الأسد في سوريا، لذبح الثورة السورية؟! أهذه هي الخطة. والغاية؟! إذا كان الأمر كذلك، فنعمَ المقاومون والممانعون!

ملحق النهار ـ 18 ـ 5 ـ 2013

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة