كيف تواطؤوا على إطالة النزيف السوري؟ ـ ياسر الزعاترة

مقالات 0 admin

ثمة مؤشرات كثيرة على أن العالم قد استسلم تماما لطول ما يسمى الأزمة السورية، وما هذه المؤتمرات واللقاءات سوى تأكيد على نوايا إطالة الأزمة، لاسيَّما أنها لا تنطوي على أفق حقيقي لحل قريب لن يتوفر من دون تغير في ميزان القوى ضد النظام.

والذي يثير القهر أكثر من أي شيء آخر، هو أن هذا الاستسلام إن صحَّ الاستنتاج هو انتصار مؤزر للرؤية الصهيونية للتعاطي مع الأزمة، ممثلة في إطالة أمد الصراع من أجل تدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود، سواء بقيت دولة واحدة أم تم تقسيمها تحت وطأة الطائفية التي تلقي بثقلها على الوضع، بخاصة خلال الشهور الماضية، فضلا عن استنزاف إيران، وربما تركيا ولبنان وحزب الله أيضا.

على أن ما ينبغي التأكيد عليه ابتداءً هو أن وزر ما يجري لا يقع في الحقيقة على عاتق الشعب السوري الذي خرج يطلب الحرية، ولم يرفع شعارات طائفية، ولم يكن في حسبانه أن يتواطأ العالم على إطالة أمد نزيفه على هذا النحو، مع أن إرادة التخلص من الدكتاتورية والفساد لم تترك له مجالا غير ركوب الصعب، بصرف النظر عن حجم التضحيات، هو الذي لم يجهل حقيقة أنه يقف في مواجهة نظام دموي له تراثه على صعيد الاستخفاف بأرواح البشر.

من هنا تبدو قصص المؤامرة التي يتحدث عنها أنصار النظام مثيرة للازدراء أكثر من أي شيء آخر، هم الذين يعلمون أن الشعب السوري لم يخرج بطلب من أحد، ولم يستشر أحدا حين نزل إلى الشوارع يبذل الدم والتضحيات لشهور طويلة قبل أن يضطر إلى حمل السلاح.

هؤلاء الذين يتحدثون عن المؤامرة اليوم هم في غالبيتهم قوم لا أخلاق لهم يزدرون شعبا من أجل أن يزكّوا طاغية، بصرف النظر عن الدوافع التي تحملهم على اتخاذ هذا الموقف، أكانت طائفية أم حزبية، بل حتى لو كانت سياسية تتحدث عن قناعة بحكاية المقاومة والممانعة، لأن الشعب أبقى من النظام، بل أكثر انحيازا لقيم الأمة وقضاياها من أي نظام مهما كان.

اليوم، وبسبب من الرؤية الإسرائيلية التي تحكم الموقف الأميركي، ومن ثم الغربي إلى حد ما (رؤية إطالة الأزمة)، وبسبب من إصرار التحالف الإيراني على خوض المعركة حتى الرصاصة الأخيرة، وبسبب استخفاف بوتن بالقيم الإنسانية، إلى جانب تنفيس عقده حيال الظاهرة الإسلامية بسبب نزاعه معها في القوقاز، وبسبب من الشرذمة التي تعاني منها الثورة، وبسبب تلكؤ الداعمين في تقديم ما يكفي لحسم الصراع، وبسبب ميل عدد من أولئك الداعمين إلى إطالة النزاع لإقناع الناس بعبثية الثورات والربيع العربي، وتفضيلهم ذلك على إنهاء الصراع سريعا في سوريا، وبسبب مخاوف البعض من الظاهرة الجهادية، بسبب ذلك كله يطول أمد الصراع في سوريا، ويغدو حرب استنزاف طويلة يخسر الشعب فيها، وتخسر سوريا مقوماتها كدولة، بينما تستنزف دول أخرى، ويُهدَّد الربيع العربي برمته.

الأكثر إثارة في هذا المشهد هو طبيعة تفكير النظام، وطبيعة تفكير داعميه، إذ إن أي منطق ولو في الحد الأدنى لا يقول أبداً بإمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بخضوع غالبية الشعب السوري لهذا النظام الطائفي المجرم، ولا يتخيل عقل أن الغالبية السنية ستخضع من جديد لحكم العلويين، وستقبل بالهزيمة وتستسلم لها، فضلا عن حقيقة أن القوى الداعمة للثورة لن تقبل هي أيضا أن ينتهي الصراع لصالح إيران وحلفائها، بما ينطوي عليه ذلك من تركيع لأمة بكاملها، لم تعد تريد تخليص سوريا من نظامها المجرم، بل تريد أيضا إعادة إيران إلى حجمها الطبيعي وتصحيح أوضاع مشوهة في لبنان والعراق أيضا.

وإذا قيل إن هذا البعد هو ما يدفع إيران وحلفاءها إلى الاستماتة في خوض المعركة، فإن المنطق أيضا يقول إن طول المعركة لا يعني غير مزيد من الاستنزاف من دون وجود أفق للانتصار، فيما سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل على القوى التي تدعم النظام، وبخاصة طائفته أن تتعايش مع الغالبية بعدما فعلته، وستفعله خلال المرحلة المقبلة، إذا طال أمد الأزمة أكثر فأكثر، الأمر الذي ينسحب على تعايش السنة مع الشيعة في عموم المنطقة.

لقد آن لإيران وحلفائها وقبلهم عقلاء الطائفة العلوية، أن يقفوا وقفة مراجعة لما يجري، ويقتنعوا أن الانتصار لن يحدث حتى لو بقيت المعركة عشر سنوات أخرى، وأنهم بما يفعلون يدمرون أية إمكانية للتعايش في هذه المنطقة، ويذهبون بالمعركة إلى نهاياتها البائسة، ليس في سوريا فحسب، بل في لبنان والعراق أيضا، وبما سيؤثر على تعايش الشيعة مع السنة في عموم العالم العربي والإسلامي.

من يقنع هؤلاء بأن عليهم أن يضحوا ببشار الأسد، ويتفاهموا مع الأمة على أسس للتعايش في كل المنطقة، تماما كما هو حال تركيا، وأن يقبلوا بحقيقة أن ربيع العرب هو خير للجميع، وخير أيضا لقضية المقاومة والممانعة التي يتحدث عنها بعضهم، لأن أمة متعايشة هي التي يمكنها التصدي للأحلام الصهيونية، وليس أمة يصرُّ بعضها على تركيع الآخر لإرادته دون وجه حق.

الكرة في ملعب إيران وحلفائها، وليس في ملعب الآخرين، إذا عليهم أن يقتنعوا أن حل المعضلة بتفاهم شامل على التعايش هو الأجدى، بينما لن يزيدهم طولها إلا استنزافا، ولن ينتهي بغير هزيمتهم، حتى لو كان الثمن الذي سيدفعه الطرف الآخر باهظا أيضا.

22/5/2013 – العرب القطرية

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة