معركة الساحل السوري ـ بشير البكر

مقالات 0 admin

رأت وسائل اعلام لبنانية محسوبة على تيار الممانعة أن فتح معركة الساحل السوري، من جانب بعض الكتائب المقاتلة، يشكل منعطفاً كبيراً للمسألة السورية، لأنه يستهدف الطائفة العلوية مباشرة. وجاء في إحدى الصحف اليومية ( السفير) منذ أيام: ” للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة، دخلت الحرب السورية ساحة الهجوم الطائفي المعلن، على منطقة تقطنها غالبية من العلويين”. واعتبرت الصحيفة ان الجماعات “الجهادية” ثابرت خلال الأشهر الماضية على الدعوة إلى تحريك جبهة الساحل، وتطوير القتال إلى حرب مكشوفة ضد “النصيريين”.

الحديث عن البعد الطائفي ليس بالأمر الجديد، ولكن النظر إلى تداعياته من زاوية النتائج المترتبة على معركة الساحل، هو الذي يثير جدلا في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، كما لو انه حدث لم يسبقه اجتياح وتدمير بلدات وأحياء تقطنها غالبية سنية في ريف دمشق وحمص وبانياس، وارتكاب مجازر بحق المدنيين من طرف النظام وانصاره من الميليشيات الطائفية. وبغض النظر عن توقيت المعركة في الساحل والأهداف المتوخاة من ورائها، فإن الوقوف عندها واعتبارها أول طور طائفي تشهده المواجهات العسكرية في سوريا، فهو من باب الاستغباء المتعمد للآخرين، لأن جرس الانذار الطائفي كان قد رن بصوت عال في أكثر من مرة خلال الاشهر القليلة الماضية، ولكن لم يعره أحد أي اهتمام.

لم يبرز المظهر الطائفي للصراع في سوريا طيلة عامين، مثلما ظهر عليه مع إعلان حزب الله هذا العام عن مشاركته الرسمية في القتال إلى جانب النظام السوري، وزاد في إعطاء الأمر بعدا عربيا ودوليا تبرع أمينه العام حسن نصرالله باعتلاء منبر “البروباغندا” الطائفية عدة مرات، وصدرت عنه خطابات جارحة واستفزازية للسوريين، الذين يعرفون إن أحد أسباب إطالة عمر نظام الأسد، هو الدعم الايراني العسكري والسياسي والامني والمالي، ومن غير القابل للنقاش هو أن الحلف المقدس بين ايران والنظام السوري، تحكمه اعتبارات ليست طائفية، حتى لو تم تغليفة بشعارات المقاومة والممانعة.

لم يخطر للسوريين على بال، أن يقوم “حزب المقاومة” بنقل معركته من مواجهة العدو الاسرائيلي في جنوب لبنان إلى ريف حمص ودمشق وحلب، كما بات مقاتلوه وتلفزيونه يتقدمون طلائع قوات الاسد وشبيحته، وبدلا من أن يقف نصرالله عند ذريعة الدفاع عن المقامات والقرى الشيعية، فإنه اخترع حرب الدفاع عن خاصرة المقاومة من داخل سوريا، وصار قتل وتشريد الابرياء السوريين وتدمير بيوتهم وساما على صدر مقاتلي المقاومة.

نصرالله الذي ذهبت به نشوة الانتصارات العسكرية لمقاتليه في الداخل السوري، لم يسعفه الحلم ليفكر بما يمكن أن تحفره في نفوس السوريين عمليات التجييش الطائفي، ورفع الرايات الشيعية على مآذن المساجد السنية في القصير، وتوزيع البقلاوة في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولا حتى تدمير ضريح الصحابي خالد بن الوليد ومسجده في حمص.

لا يختلف اثنان في سوريا على أن البعد المذهبي للصراع في سوريا اختلف كليا بعد مشاركة حزب الله في القتال داخل سوريا، وما فشل فيه الاسد طيلة عامين لجر الثورة إلى المستنقع الطائفي، أنجزه حزب الله خلال اسبوع واحد في معركة القصير، التي هلل لها سياسيا واعلاميا، في صورة لا تضاهيها غير احتفالاته سنة 2006.

بأي صيغة كانوا يتوقعون أن يرد الطرف الآخر، الذي أحس بالإهانة والجرح؟ عندما ترمي خصمك ب “التكفيرية”، هل تريد أن يصفك ب” العلمانية”؟ لن يخرج عن لغة قاموس الانحطاط، وسيقول لك يا “نصيري، ويا “فارسي”.. إلخ.

لا يد للسوريين في إذكاء نار الطائفية. ويشهد العالم على أنهم ظلوا مدة عامين يترفعون عن الانجرار إلى المنزلق الخطير، ولم يشهد مجرى الثورة رد فعل طائفي نافر، ورغم قيام ميليشيات طائفية محسوبة على النظام بمجازر تطهير ضد قرى سنية في بانياس وريف حماة وحمص، فإن أحدا من جانب الثورة لم ينتقم، وباستثناء حوادث فردية متفرقة، لم تسجل إلى يومنا اعتداءات طائفية ذات طابع جماعي ضد العلويين. وكان يمكن أن يحصل ذلك ببساطة في مناطق بعيدة مثل ديرالزور والحسكة، لا بل جرى ترحيل عائلات علوية من حقول النفط، التي سيطرت عليها “جبهة النصرة” في الشدادي (الحسكة)، وأمنت “النصرة” حماية للعائلات العلوية حتى مطار القامشلي.

ورقة الطائفية التي يلعبها النظام اليوم، هي غير تلك التي رماها في بداية الثورة. في المرة الماضية أراد منها تحويل الثورة الشعبية إلى كمين طائفي يسهل تطويقه، ولكن الورقة احترقت بسرعة، واحتفظت الثورة بطابعها الوطني. أما اليوم فهو يشهرها من أجل خلط الأوراق، والاحتماء بالحصن الأخير.

  الجمعة 09/08/2013, المدن

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة