المضمون السياسي لشعار “يلعن روحك يا حافظ” ماهر شرف الدين

مقالات 0 admin

لا نعرف اسم المواطن السوري (أو المواطنة السورية) الذي كان أول من أطلق شعار “يلعن روحك يا حافظ”، لكننا نستطيع التقدير أنه كان أحد هؤلاء المتظاهرين الذين ملأوا ساحات سوريا في المرحلة السلمية للثورة السورية.

والمؤسف أن هذا الشعار – بسبب صيغته الهجائية وروحه الساخرة – جعل الكثيرين من مدّعي الرصانة في القراءات السياسية يحجمون عن أخذه على محمل الجد في المعنى السياسي، بل إن الأمر وصل بأحدهم حدَّ المناكفة عبر القيام بعكس مضمونه (كما فعل ميشيل كيلو في لقائه على تلفزيون “أورينت” حيث قام بالترحُّم على روح حافظ الأسد).

والحقّ أن القراءة التقليدية هي فقط من تعتبر هذا الشعار مجرّد شتيمة، وتتغاضى عن مضمونه السياسي المتعدِّد الأبعاد.

فأولاً، هذا الشعار هو أول شعار سياسي يخرج بعد نصف قرن من الاستبداد المطلق وخنق الحرّيات والإرهاب الفكري والجسدي، ما يعني أن من حقّه أن يحمل روح النقمة وروح الانفجار، والأهم: روح الارتطام الأول بجسد السياسة الذي غُيِّب في أقبية الحكم الأسديّ مع عشرات الآلاف من معتقلي الرأي.

ثانياً، إنَّ اختيار فعل الشتم – كمضمون سياسي – لم يأتِ عبثاً في بلد يُعتبر فيه شتم الرئيس كبيرة الكبائر التي ستذهب بفاعلها إلى غياهب السجون وحبال المشانق، وبالتالي فالشعب بهذا اللعن يتحدَّى أكبر الكبائر التي وضعها النظام، كاسراً بذلك حاجز الخوف الذي بناه حافظ الأسد لبنةً لبنةً.

ثالثاً، إنَّ اختيار حافظ الأسد (وليس بشار الأسد) لممارسة فعل اللعن عليه، فيه من المضمون السياسي الشيء الكثير، حيث إن الشعار مدرك تماماً لأهمية هجاء الحقبة كاملةً، وليس بالتجزئة، وبالتالي اعتبار ما يجري هو من صنيعة مسار كامل ومتكامل من الاستبداد وليس وليد حادثة معينة ومحدودة أشعلت الثورة في سوريا. وهذا يعني التعامل – سياسياً – مع بشار الأسد في وصفه مجرَّد امتداد (ممطوط) لظلّ أبيه.

رابعاً، إن روح التهكُّم التي صيغ بها هذا الشعار تحمل هجاء سياسياً لشعارات المرحلة الآفلة والتي قامت على اصطناع العبوس والجدّية والبطولات، كما أن هذه الروح تُعبّر إلى حدّ بعيد عن الجيل الجديد الذي أصابه الملل والقرف من الزيف السياسي و”القضايا الكبرى” التي استُخدمت غطاءً لتمرير القضايا الصغرى، بل والصغرى جداً.

خامساً، إضافة إلى بُعد النكاية السياسية التي يتحلّى بها هذا الشعار حيث أنه يضرب على أعصاب المؤيّدين الذين يضعون حافظ الأسد في مرتبة القداسة، ثمة بُعد آخر يمكن تسميته بـ”بُعد الحسرة السياسية”، حيث يعتقد الكثير من السوريين بأن هذه الثورة كان يجب أن تقوم في زمن حافظ الأسد باعتباره أصل البلاء، وكان عليه بالتالي الاحتراق بنارها كنوع من الجزاء على الجرائم التي ارتكبها.

وفي هذا الصدد تحضرني “لعنة” طريفة قالها أمامي أحد الرجال الكبار في السن من أقاربي، فقد سمعتُه ذات مرة يقول عن شخص سبَّب له الكثير من الأذى من دون أن يتمكن من الانتقام منه: “الله يحرقوا بكل أجيالو” (الجيل: مصطلح ينتمي إلى قاموس الاعتقاد بالتقمُّص الذي يؤمن به الدروز، ومعنى الجيل هو العُمْر الواحد الذي يعيشه الإنسان في جسد واحد قبل أن تنتقل روحه إلى جسد جديد وبالتالي إلى جيل جديد). يومها سألتُ ذلك الرجل عن معنى هذه اللعنة “المتقمّصة”! فقال لي بأنه لا يشفي غليله أن يحترق هذا الرجل في جيل واحد بل يجب على النار أن تلاحق روحه في “كل أجيالها” وتحرقها في أي جسد حلَّتْ فيه!

لو كان جميع السوريين يؤمنون بالتقمّص، فأنا على يقين من أنهم سيلعنون حافظ الأسد “بكل أجيالو”.

 10/8/2013 – كلنا شركاء

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة